العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

دفاعا عن الرجال

رغم‭ ‬أنني‭ ‬وبقرار‭ ‬شخصي‭ ‬لم‭ ‬أدخل‭ ‬المرحلة‭ ‬الأربعينية‭ ‬من‭ ‬السن،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أقبل‭ ‬المساس‭ ‬بمعنويات‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬الخمسين،‭ ‬ولهذا‭ ‬كرست‭ ‬قلمي‭ ‬لفضح‭ ‬مؤامرات‭ ‬العلماء‭ ‬الغربيين‭ ‬لنشر‭ ‬الإحباط‭ ‬الوبائي‭ ‬بين‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أعرض‭ ‬عليكم‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬باحثون‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬بنسلفانيا‭ ‬الأمريكية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مخ‭ ‬الرجل‭ - ‬وليس‭ ‬المرأة‭- ‬يتقلص‭ ‬بعد‭ ‬سن‭ ‬العشرين،‭ ‬وكلما‭ ‬ازداد‭ ‬عدد‭ ‬سنوات‭ ‬عمر‭ ‬الرجل،‭ ‬كلما‭ ‬استفحل‭ ‬التقلص،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأمامي‭ ‬من‭ ‬الدماغ،‭ ‬فيصبح‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أقل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز،‭ ‬ومتقلب‭ ‬المزاج‭ ‬بدرجة‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬المواقف‭ ‬المضحكة‭ ‬والطريفة،‭ ‬وعَلل‭ ‬الباحثون‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الرجال‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬لتنشيط‭ ‬واستخدام‭ ‬أجزاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أدمغتهم،‭ ‬فيصبح‭ ‬الجزء‭ ‬الموجود‭ ‬خلف‭ ‬الجبهة‭ ‬خاملا‭ ‬تدريجيا‭. ‬ويمكن‭ ‬وقف‭ ‬التدهور‭ ‬وإعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬بالتمارين‭!! (‬يعني‭ ‬تضرب‭ ‬رأسك‭ ‬بالحائط؟‭)‬،‭ ‬ومعه‭ ‬هذا‭ ‬منح‭ ‬ملايين‭ ‬الأمريكان‭ ‬الشباب‭ ‬أصواتهم‭ ‬لدونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ليصبح‭ ‬رئيسا،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬نموذج‭ ‬كلاسيكي‭ ‬للخرف‭ ‬منذ‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العشرين

كما‭ ‬قلت‭ ‬أعلاه،‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬يهمني‭ ‬شخصيا،‭ ‬لأنني‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬العمر‭ ‬‮«‬صامد‮»‬‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬منذ‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬ولكنه‭ ‬يهمني‭ ‬بوصفي‭ ‬منتميا‭ ‬إلى‭ ‬الجنس‭ ‬المتهم‭ ‬بفقدان‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬قواه‭ ‬العقلية‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن،‭ ‬ولو‭ ‬مد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أيامي‭ ‬فسألتقي‭ ‬بأولئك‭ ‬الباحثين،‭ ‬وأقول‭ ‬لهم‭: ‬تكلموا‭ ‬عن‭ ‬أنفسكم،‭ ‬والرجال‭ ‬لم‭ ‬يعطوكم‭ ‬توكيلا‭ ‬لتتحدثوا‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنهم،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬قلتموه‭ ‬صحيحا‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬كتامي‭ ‬بيننا‭ ‬وبينكم‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬بنشره‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬ومواقع‭ ‬الإنترنت‭ ‬حتى‭ ‬تطلع‭ ‬عليه‭ ‬النساء‭ ‬ويجدن‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬مستندا‮»‬‭ ‬لاتهامنا‭ ‬بالخرف،‭ ‬واحتمالات‭ ‬لقائي‭ ‬بالباحثين‭ ‬البلهاء‭ ‬هؤلاء‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأنني‭ ‬اعتزم‭ ‬زيارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ - ‬غالبا‭ ‬متسللا‭- ‬لأن‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬ذوي‭ ‬البشرة‭ ‬السمراء،‭ ‬وسأزور‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬ينتسب‭ ‬اليها‭ ‬أولئك‭ ‬العلماء،‭ ‬لأنني‭ ‬صنعت‭ ‬فيها‭ ‬جميلا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬عندما‭ ‬ألحقت‭ ‬ولدي‭ ‬بها،‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬أعلم‭ ‬ان‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬والباحثين‭ ‬لألحقته‭ ‬بجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ليكون‭ ‬‮«‬في‭ ‬السليم‮»‬‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬عمره‭ ‬لا‭ ‬يهش‭ ‬ولا‭ ‬ينش‭.‬

اعترفت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بأن‭ ‬ذاكرتي‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬مش‭ ‬ولابد‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬صارت‭ ‬تعاني‭ ‬ثقوبا‭ ‬متفاوتة‭ ‬الأحجام،‭ ‬وبسبب‭ ‬النسيان‭ ‬فإن‭ ‬زوجتي‭ ‬تعايرني‭ ‬بأن‭ ‬مخي‭ ‬‮«‬ضارب‮»‬‭ ‬أي‭ ‬خارج‭ ‬تغطية‭ ‬الشبكة،‭ ‬ولكنني‭ ‬وعندما‭ ‬أقارن‭ ‬حال‭ ‬مخي‭ ‬بحال‭ ‬مخ‭ - ‬مثلا‭ - ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬رئيسا‭ ‬فاشلا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬رئيسا‭ ‬عليها،‭ ‬فإنني‭ ‬أحس‭ ‬بالغرور‭ ‬وبأن‭ ‬مخي‭ ‬‮«‬يوزن‭ ‬بلد‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬أمريكا‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬مقارنة‭ ‬بولدي‭ ‬الذي‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬بنسلفانيا،‭ ‬اعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬عبقريا‭.. ‬أقول‭: ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬جيب‭ ‬الموبايل‭ ‬بتاعي‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬فيخرج‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يعود،‭ ‬ثم‭ ‬اكتشف‭ ‬انه‭ ‬دخل‭ ‬غرفته‭ ‬ليقرأ‭ ‬أو‭ ‬يلعب‭. ‬أين‭ ‬الموبايل‭ ‬يا‭ ‬ولد؟‭ ‬آآآسف‭ ‬يا‭ ‬أبوي‭.. ‬وين‭ ‬تركته؟‭.. ‬وقد‭ ‬أكلفه‭ ‬بإحضار‭ ‬كوب‭ ‬ما‭ ‬فيأتيني‭ ‬بموزة‭ ‬او‭ ‬قرص‭ ‬بندول‭. ‬وقد‭ ‬تصلني‭ ‬رسالة‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال‭ ‬من‭ ‬بنتي‭: ‬بابا‭ ‬أرجو‭ ‬الاتصال‭ ‬بي‭ ‬لو‭ ‬سمحت‭ ‬ظروفك‭ ‬بذلك،‭ ‬واتصل‭ ‬بها‭ ‬فورا‭ ‬فيأتيني‭ ‬الرد‭: ‬خير‭ ‬بابا‭. ‬مش‭ ‬من‭ ‬عوايدك‭ ‬تتصل‭ ‬بي‭ ‬أثناء‭ ‬ساعات‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭! ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬إزاء‭ ‬موقف‭ ‬كهذا؟‭ ‬تصيح‭: ‬معليش‭ ‬أنا‭ ‬غلطان؟‭. ‬

فقدان‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬وباء‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المعاصر‭.. ‬عطلنا‭ ‬مراكز‭ ‬الذاكرة‭ ‬في‭ ‬أمخاخنا‭ ‬بمنح‭ ‬الموبايلات‭ ‬والكمبيوترات‭ ‬توكيلات‭ ‬بأن‭ ‬تحفظ‭ ‬لنا‭ ‬الأسماء‭ ‬والأرقام‭ ‬ومواعيد‭ ‬الارتباطات‭.. ‬ولكنني‭ ‬مقتنع‭ (‬على‭ ‬مضض‭) ‬بأن‭ ‬النساء‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬التركيز،‭ ‬لأن‭ ‬مسؤولياتهن‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الرجال‭.. ‬فالمرأة‭ ‬العاملة‭ ‬مثلا‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬مهام‭ ‬وظيفتها‭ ‬وفوقها‭ ‬مهامها‭ ‬كزوجة‭ ‬وأم‭ ‬وأخت‭ ‬إلخ‭.. ‬وحتى‭ ‬المرأة‭ ‬المتفرغة‭ ‬تماما‭ ‬لشؤون‭ ‬عائلتها‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬التركيز‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أمور‭ ‬راتب‭ ‬زوجها‭ ‬وكيفية‭ ‬توزيع‭ ‬المخصصات‭ ‬وتنسيق‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحية‭ (‬وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬رصد‭ ‬تحركات‭ ‬وفعاليات‭ ‬الزيجات‭ ‬والطلاقات‭ ‬وحركة‭ ‬السوق‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتنزيلات‭).. ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬ذاكرة‭ ‬المرأة‭ ‬أسأل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬العائلة‭: ‬أكبر‭ ‬فلان‭ ‬أم‭ ‬فلان؟‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬يوم‭ ‬سيكون‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬المقبل؟‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتاريخ‭ ‬مولد‭ ‬الفلانين‭ ‬سيكون‭ ‬الرد‭ ‬من‭ ‬نوع‭: ‬الفرق‭ ‬بينهم‭ ‬يومين‭ ‬ونص‭ ‬تقريبا‭.. ‬حمودي‭ ‬مولود‭ ‬صباح‭ ‬السبت‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬كذا‭ ‬سنة‭ ‬كذا‭ ‬وعبودي‭ ‬مولود‭ ‬عصر‭ ‬الاثنين‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الشهر،‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬حاجة‭ ‬فاطمة‭ ‬بستة‭ ‬شهور‭ ‬ويومين‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا