العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قطط مدللة وبشر مبهدلة

لي‭ ‬بنت‭ ‬تحب‭ ‬القطط،‭ ‬ولم‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬قط‭ ‬ليعيش‭ ‬معنا‭ ‬داخل‭ ‬بيتنا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هددتها‭ ‬بالحرمان‭ ‬من‭ ‬الإرث‭!! ‬فبيني‭ ‬وبين‭ ‬القطط‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ‬الحداد‭ ‬والنجار‭ ‬والسباك،‭ ‬أي‭ ‬أنني‭ ‬شديد‭ ‬النفور‭ ‬منها،‭ ‬وأخاف‭ ‬من‭ ‬نظراتها‭ ‬ليلا‭. ‬بينما‭ ‬تكاد‭ ‬نحو‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬الأوربيين‭ ‬والأمريكان‭ ‬مراتع‭ ‬لقطط‭ ‬مدللة‭. ‬وإليك‭ ‬حكاية‭ ‬زوجين‭ ‬هولنديين‭ ‬زارا‭ ‬بلدة‭ ‬ريفية‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬خلال‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية،‭ ‬ولاحظا‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القطط‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬مقلب‭ ‬القمامة‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬إقامتهما،‭ ‬فاقتربت‭ ‬منهما‭ ‬قطة‭ ‬وأطعموها‭ ‬وجبة‭ ‬نظيفة،‭ ‬ولأن‭ ‬القطط‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬خُلقوا‭ ‬لخدمتها،‭ ‬فقد‭ ‬بقيت‭ ‬تلك‭ ‬القطة‭ ‬معهم‭ ‬وأدمنت‭ ‬الطعام‭ ‬الفاخر،‭ ‬ولازمتهم‭ ‬طوال‭ ‬إقامتهم‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬وباتت‭ ‬تستجيب‭ ‬كلما‭ ‬نادوها‭ ‬باسم‭ ‬شاشا،‭ ‬ثم‭ ‬انتهت‭ ‬الإجازة‭ ‬وعاد‭ ‬الزوجان‭ ‬إلى‭ ‬هولندا،‭ ‬وبعدها‭ ‬بأشهر‭ ‬قليلة‭ ‬سمعا‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬التركية‭ ‬بصدد‭ ‬قتل‭ ‬كافة‭ ‬الحيوانات‭ ‬الضالة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منهما‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬استقلا‭ ‬الطائرة‭ ‬وعادا‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬وقلبا‭ ‬الشوارع‭ ‬فوق‭ ‬‭ ‬تحت،‭ ‬حتى‭ ‬عثرا‭ ‬على‭ ‬الآنسة‭ ‬شاشا،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬أدخلوها‭ ‬الحمام‭ ‬ونظفوها‭ ‬وذهبوا‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الكوافير‭ ‬ثم‭ ‬استخرجوا‭ ‬لها‭ ‬الأوراق‭ ‬اللازمة‭ ‬للسفر،‭ ‬واصطحبوها‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬هولندا،‭ ‬متكبدين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬آلاف‭ ‬الدولارات‭.‬

وما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يدركه‭ ‬الزوجان‭ ‬الهولنديان‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬قطط‭ ‬الشوارع‭ ‬الشرقية‭ ‬‮«‬شوارعية‮»‬،‭ ‬وحب‭ ‬الصياعة‭ ‬والصرمحة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تكوينها‭ ‬الجيني،‭ ‬وهكذا،‭ ‬ولأن‭ ‬الطبع‭ ‬يغلب‭ ‬التطبع،‭ ‬فإن‭ ‬القطة‭ ‬شاشا‭ ‬أرادت‭ ‬القيام‭ ‬بجولة‭ ‬في‭ ‬مقالب‭ ‬القمامة‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الهولندي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬موطنها،‭ (‬وتلك‭ ‬من‭ ‬خصال‭ ‬القطط‭ ‬الرديئة‭ ‬فمهما‭ ‬أحسنت‭ ‬إطعامها‭ ‬فإنها‭ ‬تطارد‭ ‬الصراصير‭ ‬والفئران،‭ ‬وتعتبر‭ ‬براميل‭ ‬القمامة‭ ‬مرافق‭ ‬سياحية،‭ ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬واقعة‭ ‬كنت‭ ‬شاهدا‭ ‬عليها‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬ذات‭ ‬مساء‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬أمير‭ ‬سعودي‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬النخيل‭ ‬السياحية‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الدمام،‭ ‬وكان‭ ‬معنا‭ ‬محترف‭ ‬تسول‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬مجاور،‭ ‬يحسن‭ ‬اليه‭ ‬الأمير‭ ‬كثيرا،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أكل‭ ‬معنا‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬انصرف‭ ‬دون‭ ‬استئذان،‭ ‬فضحك‭ ‬الأمير‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬الرجل‭ ‬سيتوجه‭ ‬الى‭ ‬حراس‭ ‬مدخل‭ ‬القرية‭ ‬ليطلب‭ ‬منهم‭ ‬عشاء،‭ ‬لأنه‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬عرق‭ ‬جبينه،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬يعجبه‭ ‬شيء‭ ‬يناله‭ ‬بغير‭ ‬التسول‭).‬

المهم‭ ‬ولأن‭ ‬الخواجات‭ ‬عموما‭ ‬لا‭ ‬يلقون‭ ‬بأي‭ ‬بقايا‭ ‬طعام‭ ‬عليها‭ ‬القيمة‭ ‬ضمن‭ ‬القمامة،‭ ‬لأنهم‭ ‬يطبخون‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يكفيهم‭ ‬ليومهم،‭ ‬وليسوا‭ ‬أسخياء‭ ‬مثلنا‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬نقدم‭ ‬لبراميل‭ ‬الزبالة‭ ‬نصف‭ ‬ما‭ ‬نطبخه‭. ‬نعود‭ ‬لنتابع‭ ‬القطقوطة‭ ‬شاشا‭ ‬التي‭ ‬أصيبت‭ ‬بالإحباط‭ ‬عند‭ ‬اكتشافها‭ ‬أن‭ ‬القمامة‭ ‬الهولندية‭ ‬ليست‭ ‬كاملة‭ ‬الدسم،‭ ‬فقررت‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الأسواق‭ ‬علها‭ ‬تجد‭ ‬فأرا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رجيم‭ ‬تصنع‭ ‬منه‭ ‬باربكيو‭ ‬للغداء،‭ ‬ولأنها‭ ‬كانت‭ ‬قروية‭ ‬الأصل،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬إشارات‭ ‬وقواعد‭ ‬المرور،‭ ‬وقررت‭ ‬عبور‭ ‬الشارع‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬منه،‭ ‬وذلك‭ ‬لسبب‭ ‬بسيط،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬سيارة‭ ‬مسرعة‭ ‬هرستها‭!! ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬ونعجب‭ ‬لما‭ ‬نراه‭ ‬‮«‬فياقة،‭ ‬من‭ ‬فائق‭ ‬أي‭ ‬يشغل‭ ‬نفسه‭ ‬بتوافه‭ ‬الأمور‮»‬‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الغربيين‭ ‬الذين‭ ‬يوصون‭ ‬لحيواناتهم‭ ‬الأليفة‭ ‬بالشيء‭ ‬الفلاني،‭ ‬أو‭ ‬يتركونها‭ ‬في‭ ‬فنادق‭ ‬راقية‭ ‬عند‭ ‬السفر،‭ ‬ونعرف‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬استعاضوا‭ ‬بالحيوانات‭ ‬عن‭ ‬القرابة‭ ‬والصداقة،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري‭ ‬وتنامي‭ ‬النزعات‭ ‬الفردية،‭ ‬جعل‭ ‬الملايين‭ ‬منهم‭ ‬يسيئون‭ ‬الظن‭ ‬ببني‭ ‬البشر،‭ ‬ويفضلون‭ ‬الحيوانات‭ ‬عليهم‭!!‬

ولكن‭ ‬هل‭ ‬قرأتم‭ ‬حكاية‭ ‬السيدة‭ ‬العجوز‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬غنية‭ ‬جدا‭ ‬التي‭ ‬شكت‭ ‬من‭ ‬ولديها‭ ‬الراشدين‭ ‬اللذين‭ ‬انقلبا‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجها،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬والدهما‭ ‬فطرداها‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬فاضطر‭ ‬ابن‭ ‬ثالث‭ ‬بار‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬استئجار‭ ‬شقة‭ ‬لإيوائها؟‭ ‬تلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬أوطاننا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬يقول‭: ‬يا‭ ‬دنيا‭ ‬ما‭ ‬فيك‭ ‬إلا‭ ‬أنا‭!! ‬وصرنا‭ ‬نكره‭ ‬أبناء‭ ‬عمومة‭ ‬الدم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كرهنا‭ ‬لأبناء‭ ‬عمومة‭ ‬الغم،‭ ‬‮«‬بني‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وصار‭ ‬الأخ‭ ‬يكيد‭ ‬لأخيه‭ ‬ويزوج‭ ‬أخته‭ ‬من‭ ‬فلان‭ ‬فقط‭ ‬ليفوز‭ ‬بجاهه‭ ‬بمناقصة‭ ‬كسيحة،‭ ‬وإذا‭ ‬سرنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬فسيأتي‭ ‬علينا‭ ‬قريبا‭ ‬يوم‭ ‬نصبح‭ ‬فيه‭ ‬مثل‭ ‬الغربيين،‭ ‬ونوصي‭ ‬بثرواتنا‭ ‬للكلاب‭!! ‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا