ذهبت مؤخرا في عصر أحد الأيام في نزهة على الأقدام فلاحظت أن أحد أصحاب المنازل قد وضع لافتة على حديقة منزله الأمامية، وكان مكتوباً عليها ببساطة: «أنا أقف إلى جانب إسرائيل».
لو حدث هذا قبل نحو أربعمائة يوم، لما فكرت في الأمر على الإطلاق ولما استرعى الأمر اهتمامي. فخلال تلك الفترة كان أنصار إسرائيل لا يزالون يعانون من صدمة الهجوم الذي وقع في السابع من شهر أكتوبر 2023، وشعروا بالحاجة إلى التعبير عن أنفسهم.
لم نكن في الحقيقة قد وصلنا إلى شهر ديسمبر من سنة 2023م. لقد مر حتى الآن أربعة عشر شهراً على بداية هذا الكابوس، لذلك فإن القرار الذي اتخذه أصحاب ذلك المنزل بوضع هذه اللافتة على واجهة حديقتهم الأمامية يثير سؤالاً مقلقاً ــ ما الذي تعنيه عبارة «الوقوف إلى جانب إسرائيل» بالضبط في السياق الحالي؟
خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية عدداً من التقارير المستندة إلى أبحاث جيدة حول سعي إسرائيل لإحكام قبضتها على قطاع غزة من خلال عمليات الهدم الجماعية للمنازل والمستشفيات والمدارس والبنية الأساسية، والنقل القسري للفلسطينيين المتبقين في شمال غزة، فيما أوردت التقارير أن القناصة الإسرائيليين أصبحوا يتخذون من قتل الفلسطينيين الفارين «رياضة» والتنافس في تسجيل الإصابات.
كما تحدثت ذات التقارير الإعلام الأمريكية عن تزايد المخاوف بشأن استمرار بناء القواعد العسكرية للاحتلال في أقصى شمال غزة وفي معبر نتساريم، بما في ذلك إقامة منشأة أشبه بالمنتجعات لتوفير الراحة والاسترخاء للقوات المنهكة من الحرب.
كما ترددت أنباء عن استمرار نقص الخدمات الطبية والغذاء والمياه والصرف الصحي والمأوى لمليوني فلسطيني يتكدسون في جنوب قطاع غزة وسط ظروف إنسانية مأساوية.
يجب ألا ننسى أيضا ما شهدته إسرائيل من تطورات سياسية داخلية. فبعد انقطاع طويل، استمرت الاحتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث يندد البعض بتجاهله القاسي لمصير الرهائن الإسرائيليين المتبقين المحتجزين في غزة وتلاعبه بهم، فيما يحتج آخرون على سعيه المستمر للهروب من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد المتعددة التي يحاكم عليها حاليا.
هناك أيضاً أولئك الصحفيون والمعلقون الإسرائيليون الشجعان الذين يتحدون مواطنيهم ليروا ما تجاهلوه لأكثر من عام: ألا وهو أن الإبادة الجماعية ترتكب باسمهم عبر الحدود.
كتب المعلق المعروف ب. مايكل أحد هذه المقالات التي أتحدث عنها. ففي مقال له في صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية، يشرح مايكل لقرائه التعريف القانوني لمصطلح «الإبادة الجماعية»، حيث يشير مايكل إلى أن الاتفاقية ضد هذه الجريمة تسرد خمسة أفعال، وأي منها يكفي لاعتبار دولة أو شعب ما مرتكباً لجريمة الإبادة الجماعية.
يؤكد هذا الكاتب أيضا في هذا المقال أن إسرائيل يمكن أن تُدان بارتكاب أربع من الجرائم الخمس، ليخلص إلى القول بأن «التظاهر بالبراءة ليس دفاعاً مقبولاً»، كما أن الادعاء بأن ذلك تم «بحسن نية، أو لأسباب تتعلق بالدفاع عن النفس فقط» ليس دفاعاً مقبولاً.
إذا ماذا يعني بالضبط «الوقوف مع إسرائيل» في هذه المرحلة بالذات مما يجري في قطاع غزة من أحداث مأساوية؟
ومع ذلك، فإن أولئك الذين علقوا هذه اللافتة مؤخرًا أمام منازلهم لهم الحق في التعبير عن آرائهم، مهما كانت مشينة أو مثيرة للاشمئزاز بالنسبة للآخرين. ومن الواضح أن تشويه لافتتهم أو التحريض على العنف ضدهم ردًا على ذلك أمر خاطئ. وإذا كنا نؤمن حقًا بالديمقراطية والحاجة إلى الحوار المدني، فيجب رفض الإهانات أو التهديدات أو التخريب.
لا شك بالمقابل أن هذا الأمر يجعلنا نطرح بدورنا هذا السؤال التالي: ما رد الفعل الذي قد ينجم عن قيام أحد الجيران في تلك المنطقة بوضع لافتة كتب عليها «أنا أقف مع فلسطين» في حديقته؟
لا شك أن الرأي العام بشأن إسرائيل وفلسطين قد تغير بشكل كبير في السنوات الأخيرة. فاليوم أصبح هناك تعاطف أكبر مع الفلسطينيين من أي وقت مضى، وحتى بين أولئك الذين يواصلون دعم إسرائيل، أصبحت سياسات تلك الدولة مرفوضة بشكل متزايد.
وبعد أن أدركت الجماعات المؤيدة لإسرائيل وحلفاؤها في الحكومة وأطراف من وسائل الإعلام هذا التغير الجذري في الرأي العام، شرعت في شن هجومها في محاولة لإسكات هذه المشاعر المتنامية والمؤيدة للفلسطينيين، بل حتى حظر التعبير المشروع عن دعم الفلسطينيين ومعارضة السياسات الإسرائيلية التي تنتهك القوانين الدولية والأمريكية.
في ظل الوضع الحالي، يبدو مع الأسف أن هذه المساعي الرامية إلى القمع والتصدي للخطاب المؤيد للفلسطينيين لا تزال لها اليد العليا، وأن هذه الأصوات هي التي لا تزال مسموعة.
إن التمعن في ردود الفعل على الأحداث الأخيرة في الحرم الجامعي والمناقشات في الكونجرس والهيئات التشريعية للولايات توضح أن لافتة بسيطة مثل «أنا أقف مع فلسطين» يمكن التنديد بها باعتبارها مثيرة للمشاعر، وغير لائقة، وحتى معادية للسامية.
ولا بد من الاعتراف بأن الخطاب على الجانبين انحرف في بعض الحالات في اتجاهات غير مقبولة. فقد سخر المتظاهرون المؤيدون لإسرائيل من الفلسطينيين قائلين: «سنغتصبكم»، فيما هتف المؤيدون للفلسطينيين: «الصهاينة لا يستحقون الحياة».
ولكن ما يثير القلق هو التقارير المتكررة التي تشير إلى أن التعبيرات الداعمة ولو نسبيا للحقوق الفلسطينية تخضع للرقابة لأنها تجعل أنصار إسرائيل «منزعجين وغير مرتاحين». إن هذا النوع من التجاوز الخطير هو بالضبط ما يحدث.
خلاصة القول إذا أراد أي شخص أن يعلن أنه «يقف إلى جانب إسرائيل» فيجب أن يكون حراً في القيام بذلك، ويجب أن يقبل أنه في ضوء ما يحدث في فلسطين، فإن هذا من شأنه أن يدفع البعض إلى التساؤل: «ماذا تقصد بالضبط بذلك؟».
يجب أن يكون جيرانهم أيضا قادرين على إعلان أنهم «يقفون إلى جانب فلسطين»، والإجابة على الأسئلة التي قد تُطرح عليهم، والقيام بذلك دون خوف من الانتقام.
لسوء الحظ، لم نصل إلى هذا الحد بعد.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك