العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نتنياهو وسياسة الهروب إلى الأمام

بقلم: هاني عوكل {

الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

للمرة‭ ‬الرابعة‭ ‬طيلة‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام،‭ ‬يمثل‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬بتهم‭ ‬فساد‭ ‬واستغلال‭ ‬للسلطة،‭ ‬وسط‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬تشنها‭ ‬قواته‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان‭ ‬وإيران‭ ‬واليمن،‭ ‬وخلاف‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لم‭ ‬يحسم‭ ‬الموقف‭ ‬منه‭.‬

نتنياهو‭ ‬الذي‭ ‬أخفقت‭ ‬دولته‭ ‬البوليسية‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وفشلت‭ ‬كل‭ ‬أجهزته‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬المبكر‭ ‬مع‭ ‬ترتيبات‭ ‬العملية،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬أزمة‭ ‬الخلاف‭ ‬الداخلي‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تطيح‭ ‬به‭ ‬وانتصر‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬معارضيه‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬السياسية‭ ‬والدموية‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

العديد‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬السياسي‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لن‭ ‬يكمل‭ ‬وظيفته‭ ‬بعد‭ ‬تعالي‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تطالبه‭ ‬بالذهاب‭ ‬الفوري‭ ‬لإتمام‭ ‬صفقة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬تتضمن‭ ‬إعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬الموجة‭ ‬لصالحه‭ ‬ومضى‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

لقد‭ ‬ساعده‭ ‬أن‭ ‬خصومه‭ ‬السياسيين‭ ‬ضعفاء‭ ‬وصوت‭ ‬المعارضة‭ ‬غير‭ ‬موحد،‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬له‭ ‬المناورة‭ ‬السياسية‭ ‬بتبني‭ ‬مواقف‭ ‬متشددة‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬التحصن‭ ‬خلف‭ ‬قاعدته‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬والمتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬حين‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬داخلية‭ ‬أو‭ ‬خارجية‭ ‬يتبنى‭ ‬سياسة‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭.‬

في‭ ‬حربه‭ ‬مع‭ ‬خصومه‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬وقت‭ ‬محاكماته‭ ‬بالفساد،‭ ‬لجأ‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬افتعال‭ ‬أزمات‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لحرف‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬محاكمته،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وكسب‭ ‬الوقت‭ ‬لدعم‭ ‬تأييد‭ ‬معسكر‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭.‬

كذلك‭ ‬حينما‭ ‬طالبته‭ ‬المعارضة‭ ‬بالاستقالة‭ ‬والاستجابة‭ ‬لمطالبها‭ ‬بشأن‭ ‬إخفاقات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تعمد‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬بصب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وشيطنتها،‭ ‬واعتبار‭ ‬الحرب‭ ‬ضدها‭ ‬حرب‭ ‬تحرر‭ ‬وطني‭ ‬وقومي‭ ‬وديني‭.‬

خلال‭ ‬محاكمته‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬خرج‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬يعدد‭ ‬إنجازاته‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والهدوء‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الشمالية‭ ‬بعد‭ ‬إتمام‭ ‬الهدنة‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬وبطولاته‭ ‬في‭ ‬محور‭ ‬سورية‭ ‬وتوسيع‭ ‬المنطقة‭ ‬العازلة‭ ‬واستهداف‭ ‬معظم‭ ‬ترسانتها‭ ‬الحربية‭.‬

تحدث‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬والسعي‭ ‬لترسيخه‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬بتحييد‭ ‬سورية‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬وفلسطين‭ ‬المحتلة‭. ‬وقال‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬مقبل‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬هذه‭ ‬رسالة‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قبل‭ ‬الخارج‭.‬

هو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬للجمهور‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إنه‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنجازات‭ ‬وجلب‭ ‬السلام‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬للدولة‭ ‬العبرية،‭ ‬وأنه‭ ‬الأقدر‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الملفات‭ ‬الحسّاسة،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬سيستخدم‭ ‬كل‭ ‬أسلحته‭ ‬ويقدم‭ ‬مسرحية‭ ‬ترجئ‭ ‬أو‭ ‬تفشل‭ ‬محاكمته‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬تحييد‭ ‬جبهتَي‭ ‬لبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وهو‭ ‬الملف‭ ‬الأسخن‭ ‬والأهم‭ ‬لاعتبارات‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والديموغرافيا‭ ‬وكذلك‭ ‬لاعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬تتعلق‭ ‬بموقعه‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

الآن‭ ‬كل‭ ‬الحديث‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬هدنة‭ ‬وشيكة‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬دون‭ ‬الاستفاضة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬تفاصيل‭ ‬بشأنها‭ ‬والعقبات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬تحقيقها‭. ‬هنا‭ ‬سيحاول‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬جلب‭ ‬هدنة‭ ‬على‭ ‬المقاس‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬بالضبط‭.‬

هو‭ ‬لا‭ ‬يهمه‭ ‬كثيراً‭ ‬مصير‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لأن‭ ‬التفكير‭ ‬فيهم‭ ‬سيحد‭ ‬من‭ ‬مناوراته‭ ‬السياسية،‭ ‬ولذلك‭ ‬يفضل‭ ‬‮«‬المماطلة‮»‬‭ ‬والاستمرار‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬مقبولة‭ ‬من‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬ربما‭ ‬تسمح‭ ‬ببقاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬محورَي‭ ‬فيلادلفيا‭ ‬و«نتساريم‮»‬‭.‬

الفكرة‭ ‬الاساسية‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬المماطلة‭ ‬بالملف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حتى‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الهرم‭ ‬السياسي‭. ‬من‭ ‬الجائز‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬في‭ ‬هدنة‭ ‬مجهولة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬سيسعى‭ ‬إلى‭ ‬ختمها‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬ما‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

إن‭ ‬فكرة‭ ‬المكافأة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬حينما‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهم‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬محور‭ ‬سوريا‭ ‬ليحقق‭ ‬فيها‭ ‬إنجازات،‭ ‬حتى‭ ‬يقدم‭ ‬شيئا‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬ثمناً‭ ‬للسكوت‭ ‬عنه‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬تسمين‭ ‬المستوطنات‭ ‬وسرقة‭ ‬ممتلكات‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتدميرها‭ ‬وإحراقها،‭ ‬وممارسة‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الترهيب‭ ‬بهدف‭ ‬تحويل‭ ‬الضفة‭ ‬إلى‭ ‬حديقة‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يأتي‭ ‬تحت‭ ‬العنوان‭ ‬الأكبر‭ ‬‮«‬بقاء‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬السلطة‮»‬‭.‬

في‭ ‬سبيل‭ ‬بقائه‭ ‬بالسلطة،‭ ‬فان‭ ‬نتنياهو‭ ‬مستعد‭ ‬للتضحية‭ ‬بأقرب‭ ‬المقربين‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬يحتفظ‭ ‬بالكرسي‭. ‬فعلها‭ ‬مع‭ ‬حلفائه‭ ‬وتخلى‭ ‬عن‭ ‬جالانت‭ ‬وزير‭ ‬حربه،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬ينتظر‭ ‬صديقه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنتخب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬حتى‭ ‬يساعده‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬المحن‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا