أشار «فالي نصر»، من جامعة «جونز هوبكنز»، إلى إجماع الأكاديميين والخبراء الغربيين، ومراكز الفكر الرائدة في واشنطن، ونيويورك، ولندن؛ بأن أحداث النصف الثاني من عام 2024، التي بلغت ذروتها بانهيار نظام بشار الأسد في سوريا خلال ديسمبر، قد أذنت ببداية فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط.
واعتبر العديد من المعلقين سقوط نظام الأسد «نكسة استراتيجية كبرى لإيران»، حيث تزامن ذلك مع تراجع ملحوظ في نفوذ حزب الله في لبنان؛ نتيجة حملة القصف والغزو البري التي شنتها إسرائيل. كما كشفت المواجهات المتبادلة بين إيران وإسرائيل على مدار العام عن عجز الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية في التصدي للهجمات. وعلّقت «لينا الخطيب»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، على الانهيار الواضح لمحور المقاومة الإيراني، مشبهة سقوط نظام الأسد بسقوط الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية عام 1989، معتبرة ذلك «زلزالاً يضرب النظام الإقليمي».
وعلى عكس التوقعات التي تأمل أن «تمهد هذه الأحداث لفترة من السلام والاستقرار في المنطقة»؛ حذر «نصر»، من أن «السيناريو الأكثر ترجيحًا»، هو «تصعيد المنافسة الإقليمية». وفي مقال نشرته «سوزان مالوني» بمجلة «فورين أفيرز» في ديسمبر 2024، تحت عنوان «الوضع الطبيعي الجديد الخطير في الشرق الأوسط»، أشارت إلى أن الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، قد أدى إلى «تحول زلزالي»، أرسى ما وصفته بـ«توازن دقيق للفوضى» في المنطقة، حيث بات الاستقرار هشًّا إلى حد كبير.
وبينما واجهت إيران العديد من النكسات، وازدادت جرأة حكومة «بنيامين نتنياهو»، اليمينية المتطرفة، بتدميرها لغزة، وتنفيذ هجمات على لبنان، وصولاً إلى غزو سوريا -وهو ما وصفته «سوزان مالوني» بأنه جعلها «أقوى من أي وقت مضى» -فقد أشارت الباحثة إلى استمرار اعتبار كل طرف تهديدًا «وجوديًا ومتأصلًا» للآخر، مما يجعل خطر اندلاع صراع شامل بينهما، «أمرًا قائمًا».
وفي ظل هذا الوضع الجيوسياسي الهش في الشرق الأوسط، تبرز عودة «دونالد ترامب»، إلى السلطة في واشنطن، كتطور يحمل تداعيات مهمة. وأشار «بول سالم»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن «النظام الإقليمي الذي تركه في عام 2021 يختلف جذريًا عن المشهد الذي سيواجهه عند عودته في يناير 2025». وبينما يستعرض الباحث السيناريوهات القريبة المحتملة، التي تشمل «تصعيدًا عسكريًا» بين إسرائيل وإيران قد «يخرج عن السيطرة»، أو اندفاع طهران لتطوير «سلاح نووي»، كوسيلة ردع نهائي ضد المزيد من الهجمات؛ ترى «مالوني»، أن على ترامب «اغتنام الفرصة لإبرام اتفاق إقليمي»؛ لتجنب كارثة محتملة في المنطقة.
وفي تحليلها للأحداث، أوضحت أن التصعيد الإسرائيلي في عام 2024، الذي شمل استهداف القدرات العسكرية لحزب الله في لبنان، والاستيلاء على أراضٍ سورية في ديسمبر، بالإضافة إلى الغارات الجوية المكثفة على إيران في أبريل وأكتوبر باستخدام الصواريخ والمسيرات المسلحة؛ أدى إلى دخول «الحرب» بين إسرائيل وإيران إلى «مرحلة جديدة». وعليه، ارتفعت ليس فقط احتمالات اندلاع صراع شامل بين الطرفين، لكن أيضا دخول قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة، وهي النتيجة التي سيكون لها «تأثير مدمر على المنطقة والاقتصاد العالمي».
ويتزامن هذا التهديد مع تقييمات المراقبين الغربيين، بشأن تعرض إيران لضعف شديد في الأشهر الأخيرة. وعلقت «سنام فاكيل»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، بأن الأحداث الأخيرة كشفت عن «نقاط الضعف الاستراتيجية والعسكرية لطهران». وأضافت «إيلي جيرانمايه»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، أنها تمر بـ«لحظة حساب»، فيما يتعلق بقوتها ونفوذها الإقليميين في المستقبل». ووفقًا لتقييم «الخطيب»؛ فإن «تداعيات انهيار الأسد»، واستهداف وكلاء إيران في لبنان، تعني أن «الضعف المفاجئ لطهران، التي كانت أصلاً مترنحة، يزيد من احتمالية تشكك وكلائها المتبقين في موثوقية راعيهم».
وبينما أشارت «الخطيب»، إلى أن تتابع الأحداث الأخيرة سيؤدي حتمًا إلى «نهاية النظام الإقليمي الذي تهيمن عليه إيران»؛ فقد أكدت «مالوني»، أن النظام الإيراني «يمكنه تجاوز العديد من النكسات والأزمات الكبرى» على مر تاريخه، بفضل «مرونته غير المسبوقة»، خاصة أن أسرار نجاحه تكمن في «براعته في ممارسة كافة أشكال العدوان تحت أي ضغوط»، و«استعداده للتلاعب والمراوغة لفترات طويلة ضد خصومه»، وقدرته على «التراجع أو التحول في مواقفه وتحركاته حسب الضرورة»، وامتلاكه «القدرة على نشر موارده واستغلال شبكة علاقاته المحدودة بشكل محنك»؛ مما يمكنه من تنفيذ «هجمات»، ضد منافسين أكثر قوة.
وفي هذا الصدد، أشارت «جيرانمايه»، إلى أن إيران تظل «قوة إقليمية»، تمتلك «خيارات تمكنها من المضي قدمًا»، وأن بإمكانها «التمسك بتأثيرها وتكثيف جهودها في إعادة بناء محور المقاومة بمنظور طويل المدى»، مضيفة أن المسؤولين الإيرانيين قد يفكرون الآن بشكل أكثر جدية في «اتخاذ قفزة مكلفة»، من كونها دولة لا تزال على عتبة النووية، إلى دولة تمتلك أسلحة نووية. واعترفت «مالوني»، بأن هذه الخطوة تمثل وسيلة تحمي بها نفسها ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة، مع اعتقادها بأن ذلك سيؤدي إلى «موجة أوسع من الانتشار النووي» في الشرق الأوسط وخارجه.
وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة تعتبر عودة «ترامب»، عاملاً مؤثرًا في تحديد نتيجة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. وفي رأي «مالوني»؛ فإن نهجه «المزعج للغاية» في العلاقات الخارجية «قد لا يكون أفضل وصفة لاستقرار المنطقة». ومع ذلك، رأت أن هذه قد تكون «اللحظة المناسبة للفوضى غير التقليدية وغير المتوقعة وغير المقصودة»، التي يُتوقع أن تجلبها إدارة البيت الأبيض القادمة.
ومع استعداده لدخول البيت الأبيض، من المتوقع أن يستعيد «ترامب»، سياساته العدوانية ضد طهران. وأشارت «مالوني»، إلى أن فريق الرئيس المنتخب من كبار مستشاري السياسة الخارجية، مثل وزير الخارجية «ماركو روبيو»، ومستشار الأمن القومي «مايك والتز»، «لن يبالوا كثيرًا بالعواقب المحتملة»، جراء المحاولات المستمرة للحد من قدرات الحوثيين في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق، محذرة من أن هذا قد يؤدي إلى انتقام هذه الجماعات من المصالح الأمريكية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، أشارت «جيرانمايه»، إلى أنه إذا أعطى «الضوء الأخضر»، لإسرائيل لشن ضربات مسلحة ضد المنشآت النووية الإيرانية؛ فإن «الرموز داخل المؤسسة الإيرانية»، التي تدعو إلى تسليح البرنامج النووي؛ ستكتسب قاعدة دعم قوية، ما من شأنه أن «يؤدي إلى إطلاق فصل جديد من الصراع في الشرق الأوسط».
ومع ذلك، اعتقدت «مالوني»، أن سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط، قد تكون «أكثر عقلانية»، مما يتوقعه الكثيرون، ولن تصل إلى «المواجهة الصارمة» مع خصوم الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع تعهده بإنهاء الحرب في غزة -رغم أنه لم يحدد كيفية أو نتائج ذلك -أشارت الباحثة إلى أن تحقيق هذا الهدف، يتطلب «استراتيجية أكثر تعقيدًا من مجرد مهاجمة إيران ووكلائها». وفي تفسيرها لهذا الرأي، لفتت إلى أن «الأدوات الاقتصادية والسياسية التي استخدمتها إدارته الأولى ضد إيران بين عامي 2017 و2021، وعلى رأسها العقوبات الاقتصادية على صادرات النفط؛ ستكون «أقل فعالية» بدءًا من عام 2025 فصاعدًا، خاصة أن «شبكات التهريب التي تتيح للنفط الإيراني الوصول إلى الصين، أصبحت أكثر تعقيدًا وصعوبة في مواجهتها من خلال فرض العقوبات وحدها».
وعلى الرغم من أن «مالوني»، خلصت لاحقًا إلى أن ميل الجمهوريين في واشنطن، إلى «استعراض العضلات الأمريكية»، إلى جانب «ولع ترامب بعقد الصفقات»؛ قد يسهم في تحقيق بعض النجاحات في سياق التوترات الحالية في الشرق الأوسط؛ فقد اعترفت أيضًا بأن مثل هذه النتيجة لن تؤثر على الوضع الراهن للخصمين الرئيسيين في المنطقة؛ فإيران ستستمر في «الانغماس في العداء تجاه كل من إسرائيل والولايات المتحدة»، بينما سيواصل نتنياهو «الاستفادة الاستراتيجية من النهج العسكري»، مع تحقيق مكاسب سياسية داخلية، ما يجعله غير مهتم بأي مفاوضات من شأنها أن توفر المزيد من الوقت لأعدائه.
وعلى الرغم من تقديم خبراء، مثل «الخطيب»، و«نصر»، تحليلات جيدة، حول «نظام إقليمي جديد يتشكل مع انهيار نظام الأسد في سوريا»، ما قد يعكس ضعف القوة والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط على المدى الطويل؛ فقد أشار «جريج كارلستروم»، من مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن الوضع سيظل على ما هو عليه حاليًا، موضحا أنه «في نهاية المطاف، ستحدد الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل ما سيحدث في الشرق الأوسط»، ما يفرض على البلدان داخل المنطقة وخارجها مراقبة التطورات «بقلق».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك