تسارعت الأحداث في سوريا بطريقة غير مسبوقة بدخول قوات المعارضة إلى كل الأراضي السورية وسقوط دمشق، وهنا يثار أكثر من تساؤل هل ما حدث نهاية لحكم عائلة الأسد؟ أم نهاية لسوريا كدولة مستقلة وذات سيادة على كل أراضيها؟ وهل هي مرحلة لتقسيم سوريا إلى دويلات صغيره؟ والسؤال أيضا ما تفسير ذلك؟
وأين دور إسرائيل المستفيد الأكبر مما جرى في سوريا؟ نظريتان قد تفسران ما جرى وسيجري في سوريا مستقبلا: الأولى نظرية المؤامرة غير المعلنة من قبل دول إقليمية ودولية لها مصلحة في التخلص من نظام الأسد والعمل على سوريا الجديدة بما يتناسب ومصالح هذه الدول كتركيا ومصالحها في شمال سوريا ومنطقة حلب التي تشكل القلب الاقتصادي لتركيا والتخلص من التهديد الكردي، وإيران وسعيها الدائم أن يكون لها نفوذها في المنطقة، وروسيا وامريكا في المنطقة وإعادة تقسيمها كمناطق نفوذ بينهما.
ولا ننسى المستفيد الأكبر إسرائيل من انهيار النظام السوري وتحول سوريا إلى منطقة دويلات صغيرة وهذا يتماشى مع هدف إسرائيل وأمريكا بإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط التي تهيمن وتسيطر عليها إسرائيل.
وهنا تستحضرني نبوءة الدكتور حامد عبدالله ربيع أستاذ العلوم السياسية قبل أكثر من أربعين عاما بأن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة قوية موحدة على حدودها الشرقية وأن أطول حدود لإسرائيل هي هذه الحدود التي تزيد على أكثر من ستمائة كيلومتر، وأن إسرائيل لن تسمح بقيام سوريا القوية الموحدة مع غيرها من الدول العربية، ولن تسمح لمن وراءها كالعراق أن تكون من القوة بما يسمح لها أن تشكل نواة قوة عربية تختزل إسرائيل داخل حدود ضيقة، وبالتالي يسهل التغلب عليها وابتلاعها.
هذه الرؤية نراها اليوم فيما جرى في العراق وفى سوريا اليوم وبما تقوم به إسرائيل من احتلال لأراض سورية جديدة كمنطقة عازلة وضرب كل بنية سوريا.
وهذه النبوءة يمكن القول بأنها تترجم اليوم في سوريا بانهيار نظام الحكم ونهاية حكم خمسين عاما لآل الأسد، ورأيناها في تجربة الوحدة مع مصر عام 1958بزعامة عبدالناصر وشكري القوتلي ولم تدم أكثر من ثلاث سنوات.
وجاء بعدها الحكم البعثي الطائفي بزعامة الأسد، وبدلا من أن تتحول سوريا إلى دولة قوية تنصهر في بوتقتها كل الطوائف تحولت إلى دولة الطائفة الواحدة، ما سهل استمرار الحرب الأهلية وسيطرة الجماعات المختلفة المدعومة من دول من تركيا وإيران وأمريكا، ورهن النظام نفسه لحماية دول أخرى في مقدمتها روسيا بتواجد قواعدها العسكرية فيها وبتواجد النفوذ الإيراني والسيطرة التركية على المناطق الشمالية وسيطرة إسرائيل على الجولان وضمها بدعم أمريكي واليوم بتوسيع سيطرتها، مما يشكل تحديا ومعيقا كبيرا في وحدة سوريا كدولة واحدة.
وكما أشار الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابه الصراع على سوريا بأن الصراع من اجل السيطرة على سوريا هو الأكثر أهمية وأولوية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
وهو كما نرى اليوم الأولوية الكبرى للدول الإقليمية والدولية وكمدخل لإعادة رسم خارطة المنطقة وغلق ملفها الأكبر ملف القضية الفلسطينية. وكما هو معروف تاريخيا بان تاريخ سوريا مر بعدة مراحل الأولى مرحلة ما قبل سوريا الدولة وكانت مخترقة من دول الجوار والمرحلة الثانية مرحلة الانتداب الفرنسي وتخلص سوريا من هذه الأطماع والاستقلال وبناء الهوية السورية والمرحلة الحالية التي تعود بسوريا إلى المرحلة الأولى ووضع الهوية السورية موضع تساؤلات وشك.
وكما أشرت في بداية المقالة فإلى جانب العامل السياسي وسيطرة حكم الأسرة والطائفة الواحدة، هناك العامل الجغرافي أو لعنة الجغرافيا التي حلت بسوريا وجعلتها مطمعا وصراعا للدول المذكورة.
ويضاف إلى ذلك العامل الاقتصادي ومصادر النفط والغاز التي تحتويها أراضيها، ليحولها إلى صراع على المكان وصراع على السياسة وصراع على الاقتصاد.
ما يجري وجرى في سوريا ليس مجرد أزمة مركبة بكل تعقيداتها الإقليمية والدولية والداخلية، بل استمرار الأزمة لأكثر من عقد وتهجير الملايين من أبنائها، وقتل مئات الآلاف وسجن الآلاف لهو سياسة مقصودة فعملية التهجير والقتل الهدف منها تفريغ مناطق من كثافتها السكانية ذات الطابع الطائفي تمهيدا لتقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الدول الإقليمية والدولية المهيمنة والمسيطرة على ارض الواقع وأبرزها تركيا والحيلولة دون قيام دولة كردية وإسرائيل التي ضمت الجولان بدعم أمريكي وإيران الطامحة إلى مد نفوذها لسواحل البحر المتوسط.
هذا التواجد الذي تمثله الجماعات المسيطرة اليوم يعكس عمق الأزمة والتحدي الأكبر في استعادة الهوية السورية الواحدة، ويبقى أننا لو نظرنا إلى الخارطة السياسية لسوريا فسنجد تقسيما قائما، فمنطقة غرب الفرات كانت تسيطر عليها القوات الروسية والإيرانية وشرق الفرات تسيطر عليها القوات الأمريكية والجولان تسيطر عليها إسرائيل. ويبقى ان سيطرة الجماعات الحالية يخفى وراءه الرغبة في السيطرة على أقاليم معينة. وهذه البداية لإعادة رسم الخارطة السياسية ليس لسوريا فقط بل للمنطقة كلها بما يتفق ومصالح الدول الإقليمية والدولية انتظارا لليوم التالي لسوريا. وسؤال التحدي، هل ترتقي الرؤى إلى أن تكون الأولية هي لسوريا دولة ديمقراطية والمواطنة الواحدة ودولة المؤسسات القادرة على تجاوز الانهيار وطمس الهوية.
{ أكاديمي فلسطيني مختص
في العلاقات الدولية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك