العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٠ - الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سوريا الجديدة في مواجهة مخططات التقسيم!

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الاثنين ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تسارعت‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬بدخول‭ ‬قوات‭ ‬المعارضة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬وسقوط‭ ‬دمشق،‭ ‬وهنا‭ ‬يثار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تساؤل‭ ‬هل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬نهاية‭ ‬لحكم‭ ‬عائلة‭ ‬الأسد؟‭ ‬أم‭ ‬نهاية‭ ‬لسوريا‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬وذات‭ ‬سيادة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أراضيها؟‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬لتقسيم‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬دويلات‭ ‬صغيره؟‭ ‬والسؤال‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك؟

وأين‭ ‬دور‭ ‬إسرائيل‭ ‬المستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬سوريا؟‭ ‬نظريتان‭ ‬قد‭ ‬تفسران‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬وسيجري‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬مستقبلا‭: ‬الأولى‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دول‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬ومصالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬كتركيا‭ ‬ومصالحها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬ومنطقة‭ ‬حلب‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬القلب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لتركيا‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬الكردي،‭ ‬وإيران‭ ‬وسعيها‭ ‬الدائم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وروسيا‭ ‬وامريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وإعادة‭ ‬تقسيمها‭ ‬كمناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬بينهما‭. ‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬المستفيد‭ ‬الأكبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬وتحول‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬دويلات‭ ‬صغيرة‭ ‬وهذا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬هدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭ ‬بإعادة‭ ‬رسم‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭ ‬وتسيطر‭ ‬عليها‭ ‬إسرائيل‭.‬

وهنا‭ ‬تستحضرني‭ ‬نبوءة‭ ‬الدكتور‭ ‬حامد‭ ‬عبدالله‭  ‬ربيع‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاما‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بقيام‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬موحدة‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬الشرقية‭ ‬وأن‭ ‬أطول‭ ‬حدود‭ ‬لإسرائيل‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستمائة‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬بقيام‭ ‬سوريا‭ ‬القوية‭ ‬الموحدة‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولن‭ ‬تسمح‭ ‬لمن‭ ‬وراءها‭ ‬كالعراق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬نواة‭ ‬قوة‭ ‬عربية‭ ‬تختزل‭ ‬إسرائيل‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬ضيقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يسهل‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬وابتلاعها‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬نراها‭ ‬اليوم‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفى‭ ‬سوريا‭ ‬اليوم‭ ‬وبما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬احتلال‭ ‬لأراض‭ ‬سورية‭ ‬جديدة‭ ‬كمنطقة‭ ‬عازلة‭ ‬وضرب‭ ‬كل‭ ‬بنية‭ ‬سوريا‭.‬

وهذه‭ ‬النبوءة‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأنها‭ ‬تترجم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بانهيار‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬ونهاية‭ ‬حكم‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬لآل‭ ‬الأسد،‭ ‬ورأيناها‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬الوحدة‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1958بزعامة‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وشكري‭ ‬القوتلي‭ ‬ولم‭ ‬تدم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭.‬

وجاء‭ ‬بعدها‭ ‬الحكم‭ ‬البعثي‭ ‬الطائفي‭ ‬بزعامة‭ ‬الأسد،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬تنصهر‭ ‬في‭ ‬بوتقتها‭ ‬كل‭ ‬الطوائف‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الطائفة‭ ‬الواحدة،‭ ‬ما‭ ‬سهل‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬وسيطرة‭ ‬الجماعات‭ ‬المختلفة‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وأمريكا،‭ ‬ورهن‭ ‬النظام‭ ‬نفسه‭ ‬لحماية‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬روسيا‭ ‬بتواجد‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬فيها‭ ‬وبتواجد‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬والسيطرة‭ ‬التركية‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الشمالية‭ ‬وسيطرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الجولان‭ ‬وضمها‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬واليوم‭ ‬بتوسيع‭ ‬سيطرتها،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬تحديا‭ ‬ومعيقا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬سوريا‭ ‬كدولة‭ ‬واحدة‭.‬

وكما‭ ‬أشار‭ ‬الكاتب‭ ‬البريطاني‭ ‬باتريك‭ ‬سيل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬بأن‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬وأولوية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ .‬

وهو‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭ ‬الأولوية‭ ‬الكبرى‭ ‬للدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬وكمدخل‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬المنطقة‭ ‬وغلق‭ ‬ملفها‭ ‬الأكبر‭ ‬ملف‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬تاريخيا‭ ‬بان‭ ‬تاريخ‭ ‬سوريا‭ ‬مر‭ ‬بعدة‭ ‬مراحل‭ ‬الأولى‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬سوريا‭ ‬الدولة‭ ‬وكانت‭ ‬مخترقة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬والمرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬مرحلة‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭ ‬وتخلص‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأطماع‭ ‬والاستقلال‭ ‬وبناء‭ ‬الهوية‭ ‬السورية‭ ‬والمرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬بسوريا‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬ووضع‭ ‬الهوية‭ ‬السورية‭ ‬موضع‭ ‬تساؤلات‭ ‬وشك‭. ‬

وكما‭ ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقالة‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬العامل‭ ‬السياسي‭ ‬وسيطرة‭ ‬حكم‭ ‬الأسرة‭ ‬والطائفة‭ ‬الواحدة،‭ ‬هناك‭ ‬العامل‭ ‬الجغرافي‭ ‬أو‭ ‬لعنة‭ ‬الجغرافيا‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بسوريا‭ ‬وجعلتها‭ ‬مطمعا‭ ‬وصراعا‭ ‬للدول‭ ‬المذكورة‭.‬

ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬العامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومصادر‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬التي‭ ‬تحتويها‭ ‬أراضيها،‭ ‬ليحولها‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬وصراع‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬وصراع‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭.‬

ما‭ ‬يجري‭ ‬وجرى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬أزمة‭ ‬مركبة‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬والداخلية،‭ ‬بل‭ ‬استمرار‭ ‬الأزمة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬وتهجير‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬أبنائها،‭ ‬وقتل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬وسجن‭ ‬الآلاف‭ ‬لهو‭ ‬سياسة‭ ‬مقصودة‭ ‬فعملية‭ ‬التهجير‭ ‬والقتل‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬تفريغ‭ ‬مناطق‭ ‬من‭ ‬كثافتها‭ ‬السكانية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الطائفي‭ ‬تمهيدا‭ ‬لتقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬المهيمنة‭ ‬والمسيطرة‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭ ‬وأبرزها‭ ‬تركيا‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬كردية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬الجولان‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬وإيران‭ ‬الطامحة‭ ‬إلى‭ ‬مد‭ ‬نفوذها‭ ‬لسواحل‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭.‬

هذا‭ ‬التواجد‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الجماعات‭ ‬المسيطرة‭ ‬اليوم‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬الأزمة‭ ‬والتحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الهوية‭ ‬السورية‭ ‬الواحدة،‭ ‬ويبقى‭ ‬أننا‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬لسوريا‭ ‬فسنجد‭ ‬تقسيما‭ ‬قائما،‭ ‬فمنطقة‭ ‬غرب‭ ‬الفرات‭ ‬كانت‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬والإيرانية‭ ‬وشرق‭ ‬الفرات‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والجولان‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬إسرائيل‭. ‬ويبقى‭ ‬ان‭ ‬سيطرة‭ ‬الجماعات‭ ‬الحالية‭ ‬يخفى‭ ‬وراءه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬أقاليم‭ ‬معينة‭. ‬وهذه‭ ‬البداية‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬ليس‭ ‬لسوريا‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬للمنطقة‭ ‬كلها‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬ومصالح‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬انتظارا‭ ‬لليوم‭ ‬التالي‭ ‬لسوريا‭. ‬وسؤال‭ ‬التحدي،‭ ‬هل‭ ‬ترتقي‭ ‬الرؤى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأولية‭ ‬هي‭ ‬لسوريا‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬والمواطنة‭ ‬الواحدة‭ ‬ودولة‭ ‬المؤسسات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الانهيار‭ ‬وطمس‭ ‬الهوية‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص

‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا