الأعياد والمناسبات جزء أساسي من حياة جميع الشعوب، حيث تستلهم من ثقافاتهم ومعتقداتهم وتجاربهم الإنسانية. لكل عيد معانيه وقيمه التي تعكس جوهر المجتمع الذي تنتمي له، بحيث تعمل على تقوية الروابط الاجتماعية، إحياء التقاليد، وتعزيز التواصل بين كافة الأفراد. وتعد هذه المناسبات فرصة ثمينة للتلاقي بين أصحاب الثقافة الواحدة وكذلك الثقافات المختلفة، حيث تتيح للناس التعرف على القيم الكامنة في كل مناسبة واحتفال، كما ترسخ معرفة الآخر وكسر حواجز الريبة ورهاب الاختلاف، ليصبح التنوع مصدرًا للإثراء الإنساني.
في البحرين، يعتبر العيش المشترك بين المواطنين والجاليات المختلفة المقيمة، سمة بارزة، تظهر قيم الالفة وقبول التنوع بروح منفتحة. هذه القيمة تتجلى في التفاعل في المناسبات والأعياد، حيث يحرص الكثير من المواطنين على تبادل التهاني ومشاركة الاحتفال مع الفئات المقيمة من خلفيات متنوعة، هذا التفاعل يجسد معاني الأخوة والمحبة التي تعبر عن هوية البحرين الجامعة والمتعددة. من خلال هذه اللحظات، يبرز المجتمع البحريني متانة الروابط الإنسانية، ويظهر كيف يمكن للتنوع أن يصبح عاملا للتآلف الانسجام مع الجميع.
على صعيد آخر، يحتفل بعض المقيمين بمناسبات ثقافية ودينية متنوعة تعكس تراثهم وتقاليدهم. من أبرزها عيد الميلاد، الذي يحتفى به كذكرى لميلاد السيد المسيح عليه السلام، ويعتبر مناسبة تحمل معاني السلام والحب. يحرص الكثير من الجالية المسيحية على الاحتفال به بروح من الفرح والتقدير. كما يحتفل المقيمين من الجالية الصينية برأس السنة الصينية، التي تعبر عن بداية جديدة وأفق مشرق. وبالنسبة لبعض الجاليات المشرقية والمجموعات ذات الجذور الثقافية المشتركة في بعض مناطق غرب آسيا، تعد ليلة يلدا وعيد النيروز من المناسبات الثقافية البارزة. ليلة يلدا، التي تصادف أطول ليلة في السنة وفق التقويم الشمسي، تمثل بداية النور والأمل بعد طول انتظار، بينما يمثل عيد النيروز بداية العام الجديد وفق التقويم الشمسي أيضا واحتفاءً بالحياة والتفاؤل. هذه المناسبات، وإن كانت خاصة بمجتمعات معينة، إلا أن التعرف عليها واستيعاب معانيها يثري التفاعل الاجتماعي ويعزز التقارب بين الثقافات، مما يسهم في بناء روابط إنسانية أقوى تمتد بين الأجيال.
مجالس رمضان لدينا تقدم نموذجا حيا للوئام، حيث تفتح أبوابها للجميع من دون تمييز، لتستقبل زوارًا من مختلف الأطياف. هذه اللقاءات الرمضانية تظهر روح الكرم البحريني والانفتاح على الآخر، وتجسد كيف أن الانفتاح على الآخر يمكن أن يكون أساسا وجسرا للتواصل الحقيقي وبناء سبل المودة والسلام.
على المستوى العالمي، تعد سنغافورة نموذجا رائدا في تعزيز التعددية الثقافية. هذه الدولة الصغيرة، التي تجمع بين أعراق متعددة مثل الصينيين، الماليزيين، والهنود، نجحت في بناء مجتمع متناغم عبر تقديم مبادرات تركز على التقارب الثقافي. تقام هناك احتفالات مشتركة طوال العام تشمل الأعياد الدينية والثقافية الرئيسية مثل عيد الفطر، الكريسماس وغيرها حيث تشجع الحكومة الجميع على المشاركة. المدارس في سنغافورة تدمج تعليم القيم الثقافية والتقبل في المناهج، مما يسهم في غرس مبادئ تقدير الآخر منذ الصغر. هذه السياسات جعلت التنوع مصدر قوة وركيزة أساسية في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
كما تعبر هذه الأسس بوضوح على القيم التي أكد عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: يا أَيها الناس إِنا خلقناكم من ذكر وَأُنثى وجعلناكم شعوبا وَقبائل لتعارَفوا إِن أَكرمكم عند اللَّه أَتقاكم.
(سورة الحجرات: 13).
تؤكد الآية الكريمة على أهمية التعارف بين الناس وقبول الاختلاف باعتباره جزءًا من حكمة الله التي تهدف لتعزيز التآلف والسلام.
هذه المناسبات لا تقتصر على الاحتفالات فقط، بل تشكل منصة مهمة لتأصيل مفاهيم الانفتاح والاحترام بين الأجيال الجديدة. عندما يشاهد الأطفال آباءهم يهنئون جيرانهم أو يشاركونهم مشاعر السعادة والاحتفاء في مناسباتهم المختلفة، فإنهم يتعلمون أن الاختلاف والتعددية ليست عقبة بل فرصة لفهم العالم بعيون أوسع. هذه القيم تغرس فيهم مفاهيم التعايش والتقارب التي تسهم في بناء مجتمعات أكثر قوة وتماسكا وسلاما.
ما نزرعه اليوم من قيم القبول والتواصل سينعكس في مستقبل مجتمعنا. كل مناسبة نحتفل ونشاطر الآخرين بها، تعد خطوة نحو تعزيز التناغم وإبراز الجوانب الجميلة في حياتنا المشتركة. ومع اقتراب العام الجديد، تحمل هذه المناسبات رسالة مهمة تعيد إلى أذهاننا أن الفرح والتآلف هما القاسم المشترك الذي يوحدنا كبشر. دعونا نستقبل العام الجديد بقلوب منفتحة، وأيد ممدودة، مما يجعله عاما بردًا وسلاما على الجميع.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك