ما الفرق بين العدالة والمساواة؟
نستطيع أن نقول في إيجاز غير مخل إن العدالة حقوق في مقابل واجبات، أما المساواة فهي تطابق تام من دون أدنى اعتبار للحقوق والواجبات، والسؤال الذي قد تثيره هذه المقدمة هو: هل الميراث عدالة أم مساواة؟
وللإجابة عن هذا التساؤل حول هذه القضية يعتمد في الأساس على طبيعة المال الذي يبقى بعد موت صاحبه، وهل يبقى ملكًا للمتوفى أم يعود إلى صاحب المال الأصلي أي إلى الله تعالى، ويتم توزيعه وفق الأحكام الشرعية التي يجب أن يلتزم بها المسلم، ومن ثم تجري عليه أحكام مختلفة ليس للإنسان أي دخل فيها؛ أي أنه بموت الإنسان تعود أمور المتوفى إلى الله تعالى، ومنها الميراث، حيث يقسم وفق الشرع الحكيم وليس لأي إنسان كائنًا من كان أن يتدخل في توزيع الميراث بشكل يخالف الشريعة الإسلامية.
إذًا، فالمال حين يموت عنه صاحبه يأخذ شكلًا اخر، فبعد أن كان المال ملكًا خاصًا ليس لأحد حق فيه صار بموت صاحبه يصبح ميراثًا تنشأ فيه حقوق جديدة ما كانت موجودة عندما كان صاحبه حيًا، كذلك تختلف الأنصبة التي يستحقها كل وارث، وهذا لا يتحقق إذا ساوينا بين الأولاد ذكورًا وإناثًا الذي هو في الأساس مخالف لحكم الشريعة.
إن المطالبة بمساواة المرأة بالرجل حال كونهما أشقاء هو تغيير في شرع الله تعالى، وهو افتراء على الله تعالى لا يجوز العمل به، وهي من آثار العَلْمانية التي تحاول أن تدس أنفها في أمور المسلمين، والميراث في الإسلام له أحكامه الشرعية التي يجب أن تصان، وأن يحافظ عليها المسلمون وألا يفرطوا فيها بأي شكل من الأشكال.
وهذه الدعوة إلى مساواة الإخوة في الميراث دعوة باطلة ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، وهي محاولة يائسة من دعاة العَلْمانية إلى تفريغ الشريعة الإسلامية من محتواها، والعمل على إخضاع الشريعة الإسلامية للعَلْمانية، وهذا أمر ترفضه الأمة الإسلامية، والعمل على وقفه حتى لا يستلب دور الإسلام في قيادته للحياة، ونستطيع أن نقول، ونحن على ثقة تامة من قدرة الإسلام، وكمال إرادته في تسديد خطى الأمة إلى خير ما ترجوه، وتتمناه في حاضرها ومستقبلها الواعد، ونهضتها التي تسعى إليها.
إذًا، فالقول بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة هو ظلم بَيِّنْ للرجل مع تحمله أعباءً قد تم إعفاء المرأة منها.
ولنتأمل موقف المرأة في الإسلام والحقوق التي تنالها من دون أن يكون في مقابلها واجبات تحقق العدالة في الميراث، ولندرس وضع المرأة في الإسلام، وما تلقاه من رعاية وعناية، تفرضها لها الشريعة الحكيمة وهي مكفولة كونها بنتًا من والدها وأشقائها، فإذا تزوجت فهي مكفولة من زوجها، فإذا رجعت إلى بيت والدها، بالطلاق أو أرملة عند وفاة زوجها، فهي مكفولة من والدها وأشقائها، وهي ليست مسؤولة عن الإنفاق على نفسها، وعند الزواج يدفع الرجل لها المهر وهو خالص لها، وهي حرة في التصرف في مهرها، وليس لزوجها أن يتدخل في ملكيتها لمهرها، وهي لها ذمة مالية مستقلة، والمرأة ليس عليها أن تؤسس بيت الزوجية، كما أنه ليس مطلوبًا منها أن تنفق من مهرها على نفسها، وكل هذا من مسؤولية الزوج، لكن حين تطالب بالخلع فعليها أن تدفع المهر الذي أعطاها الرجل حتى يدفعه إلى زوجة جديدة ولا تزيد على ذلك.
إذًا، فالمرأة في الإسلام تحتفظ بحقها في الميراث، ولها أن تستثمره، وليس للرجل الحق في التدخل في تصرفاتها المالية، إذًا، فتوزيع الميراث بهذه الكيفية الشرعية هو عدالة لا مساواة، والعدالة ان تكون هناك حقوق مقابل واجبات، أما المساواة التي ينكرها الإسلام فهي المساواة التامة التي لا يرضاها الإسلام لعباده المؤمنين.. وهذه هي شريعته العادلة المنصفة التي ارتضاها المسلمون لقيادة حركة حياتهم، وتسديد سعيهم الراشد إلى ما فيه الخير لأمة تحاول أن تنهض من جديد بعد سقوط دام زمنًا ليس بالقصير، ومحاولة رد العدوان عن هذا الدين القويم الذي طالما تناوشته سهام الأعداء وسيوف الحاقدين، والعَلْمانية تعمل على استغلال نقاط الضعف في جسد الإسلام المثخن بالجراح لتنال منه ما ترجوه من إخضاع الشريعة الإسلامية لمرداتها في ظل تسلم زمام القيادة في بعض الدول الإسلامية من أناس ولائهم لشرائع بشرية ما أنزل الله تعالى بها من سلطان وادعوا أنهم يعملون على نشر الحضارة، والتقدم للحاق بركب الحضارة الذي تتمناه الأمة الإسلامية وترجوه.
ومن منا يكره التقدم، ويكره أن يسعى إلى الالتحام بركب الحضارة الذي له دَوِيٌّ يوقظ النائمين، ويزلزل كيان الغائبين عن الوعي من شباب الإسلام المفتونين بالحضارة الغربية الحديثة ما حققته من إنجازات لا يمكن إنكارها، أو التغافل عنها، ولكن يجب أن يتحقق كل ذلك في حضن الإسلام القائم على مبدأ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقاعدة «الحلال بَيِّنْ والحرام بَيِّنْ وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، وأن لكل ملك حمى وأن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد لمضغة إذًا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». العَلْمانية لا تعترف بكل هذا، بل تسعى جاهدة بكل قوة تملكها إلى أن تجعل البشر هم المشرعين، وهي بهذا تفرغ الشريعة الإسلامية من محتواها الشرعي لِتُحِل محلها شرائع بشرية تتعامل بالخطأ والصواب بدل الحلال والحرام، وهذا ما طالب به أحد الكتاب المفروض أنه كاتب مسلم، قال: أحب أن يعاملني الرئيس بالخطأ والصواب لا بالحلال والحرام!
هذه هي العَلْمانية، وهؤلاء هم دعاتها، وما يضمرون للإسلام ولأمة الإسلام من تقدم يظنون أن فيه الخير للإسلام ولأمة الإسلام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك