العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

من سوريا إلى فلسطين.. كيف نواجه الاستباحة الصهيونية؟

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لم‭ ‬تُضع‭ ‬إسرائيل‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة،‭ ‬بسلوكها‭ ‬الانتهازي‭ ‬المعروف،‭ ‬بعد‭ ‬انفجار‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬لتستغلها‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬اتجاهات‭. ‬أولاً،‭ ‬احتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حوالي‭ ‬180‭ ‬كم2‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الجولان،‭ ‬وقمة‭ ‬جبل‭ ‬الشيخ،‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬دمشق،‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬دباباتها،‭ ‬بحسب‭ ‬تقارير‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إلى‭ ‬مسافة‭ ‬24كم‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬السورية‭.‬

ثانياً،‭ ‬تدمير‭ ‬كامل‭ ‬وممنهج‭ ‬لجميع‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سلاح‭ ‬الجو،‭ ‬والسلاح‭ ‬البرّي،‭ ‬والصواريخ،‭ ‬والبحرية‭. ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شنّ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬400‭ ‬غارة‭ ‬جوية‭ ‬دمرت،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مقاومة،‭ ‬معظم‭ ‬مقدرات‭ ‬الدفاع‭ ‬السورية‭. ‬وبذلك‭ ‬غيرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لصالحها،‭ ‬ونفذت‭ ‬احتلالاً‭ ‬واسعاً‭ ‬جديداً‭ ‬للأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وأعلنت‭ ‬نيّتها‭ ‬إبقاء‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال،‭ ‬مؤكّدة‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬أن‭ ‬الأطماع‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬فلسطين،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬وغير‭ ‬المجاورة‭.‬

ثالثاً،‭ ‬التدخل‭ ‬القبيح‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬السورية‭ ‬بتحريض‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬السوري‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬بعض،‭ ‬وادّعاء‭ ‬الحرص‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الأكراد‭ ‬والدروز‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لشقّ‭ ‬طريق‭ ‬تجزئة‭ ‬سورية‭ ‬وتقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬دويلاتٍ‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

يتمثل‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬للاستباحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬قصف‭ ‬المدنيين‭ ‬الوحشية،‭ ‬التي‭ ‬تودي‭ ‬يوميا‭ ‬بحياة‭ ‬حوالي‭ ‬مائة‭ ‬شهيد،‭ ‬تواصلت‭ ‬عملية‭ ‬نسف‭ ‬جميع‭ ‬أحياء‭ ‬الشمال‭ ‬ومناطقها‭ ‬وتدميرها،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬جباليا‭ ‬وبيت‭ ‬لاهيا‭ ‬وبيت‭ ‬حانون‭. ‬وتُخضع‭ ‬إسرائيل‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬لتجويع‭ ‬جماعي‭ ‬خطير‭ ‬يشكل‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وتستخدم‭ ‬الحرب‭ ‬البيولوجية‭ ‬بتسهيل‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض،‭ ‬والحرب‭ ‬الكيماوية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬آلاف‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬قذائفها‭. ‬ويجري‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬لإيقاف‭ ‬هذه‭ ‬المجازر‭ ‬والعذاب‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه‭ ‬الفلسطينيون‭.‬

المذهل،‭ ‬والغريب،‭ ‬أن‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬على‭ ‬استباحة‭ ‬إسرائيل‭ ‬سورية‭ ‬وسيادتها‭ ‬وأراضيها،‭ ‬واستباحتها‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬بيانات‭ ‬خجولة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬استراتيجي‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬بكامله‭. ‬يبدو‭ ‬المحيط‭ ‬والإرادة‭ ‬العربية‭ ‬غائبين‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬تبدو‭ ‬فيه‭ ‬المنطقة‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية،‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬ليغدو‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬مفعولاً‭ ‬به،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فاعلاً‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬أوطانه‭ ‬وشعوبه‭.‬

أما‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فلم‭ ‬تنطق‭ ‬ببنت‭ ‬شفة‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬الاستباحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لسورية،‭ ‬وتصعيد‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬مؤكدة‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وفي‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وانحيازها‭ ‬المطلق‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

ولا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬العدوانية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬منذ‭ ‬إنشائها‭ ‬أراضي‭ ‬فلسطين،‭ ‬ومصر،‭ ‬والأردن‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية،‭ ‬واعتدت‭ ‬بالقصف‭ ‬الجوي‭ ‬على‭ ‬تونس،‭ ‬والعراق،‭ ‬واليمن‭ ‬والسودان،‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفاشية‭ ‬التوسّعية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تمرير‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬سورية‭ ‬يفتح‭ ‬شهيتها‭ ‬للتطاول‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وليس‭ ‬مصادفةً‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬العبرية‭ ‬تمتلئ‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬بالتحريض‭ ‬على‭ ‬الأردن،‭ ‬واتهامه‭ ‬بالسماح‭ ‬بتهريب‭ ‬السلاح،‭ ‬وعلى‭ ‬مصر‭ ‬واتهامها‭ ‬بتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أرضها‭ (‬سيناء‭) ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬لاتفاق‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬حماية‭ ‬نفسه‭ ‬بتجاهل‭ ‬المخاطر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬السلوك‭ ‬العدواني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فإنه‭ ‬يرتكب‭ ‬خطأ‭ ‬فاحشاً،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬عِبر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬ويسلك‭ ‬سلوك‭ ‬تشمبرلين‭ ‬الذي‭ ‬ظنّ‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬يخدّر‭ ‬نيات‭ ‬المعتدين،‭ ‬حتى‭ ‬وجد‭ ‬عاصمته‭ ‬نفسها‭ ‬تقصف‭ ‬بالطائرات‭.‬

أثبت‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬هشاشة‭ ‬البنيان‭ ‬السياسي‭ ‬الداخلي‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬يجعله‭ ‬عرضة‭ ‬لتدخلات‭ ‬الآخرين‭ ‬وتطاولاتهم‭ ‬وأطماعهم،‭ ‬ويقود،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬إلى‭ ‬دمار‭ ‬الأوطان‭. ‬لكن‭ ‬الاستباحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الوقحة،‭ ‬التي‭ ‬تضيع‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الانفعال‭ ‬بالتطورات‭ ‬السورية،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها،‭ ‬فهي‭ ‬تؤكّد‭ ‬للمرّة‭ ‬الألف،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تستهدف‭ ‬الجميع،‭ ‬وعندما‭ ‬قال‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬تعليقاً‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬سورية،‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أصبحت‭ ‬الدولة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مشروعه‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ ‬تقسيم‭ ‬دولها‭ ‬بـ«سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬جديد‮»‬‭ ‬أخطر‭ ‬وأسوأ،‭ ‬وجعل‭ ‬إسرائيل‭ ‬الدولة‭ ‬الإمبريالية‭ ‬المهيمنة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وهل‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التذكير،‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى،‭ ‬بالمثل‭ ‬المعروف‭ ‬‮«‬أكلت‭ ‬يوم‭ ‬أكل‭ ‬الثور‭ ‬الأبيض»؟

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬لم‭ ‬يفاجئنا‭ ‬إعلان‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬نتنياهو،‭ ‬ووزير‭ ‬ماليته،‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموتريتش،‭ ‬نيتهم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬السيادة‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بكاملها،‭ ‬أي‭ ‬ضمّها‭ ‬وتهويدها،‭ ‬حال‭ ‬تسلم‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬مهامّه‭ ‬رئيساً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فكل‭ ‬المسار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منذ‭ ‬وُقع‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬كان‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭. ‬وتضمّنت‭ ‬خطة‭ ‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى‭ ‬ضمّ‭ ‬المستعمرات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مناطق‭ ‬واسعة‭ ‬مما‭ ‬تسمى‭ ‬منطقة‭ ‬ج‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تفاجئنا‭ ‬تحضيرات‭ ‬نتنياهو‭ ‬العسكرية‭ ‬لإبقاء‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬حذرنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نتنياهو‭ ‬ينوي‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬انتخاب‭ ‬ترامب‭ ‬مجدداً،‭ ‬وأنه‭ ‬سيدفع‭ ‬بخطط‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬والحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالإبادة،‭ ‬والاستيطان،‭ ‬والتطبيع‭ ‬والضم‭ ‬والتهويد‭.‬

وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬كان‭ ‬مجمل‭ ‬سلوك‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬وقطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬وضمٍّ‭ ‬وتهويدٍ‭ ‬تدريجي،‭ ‬بدأ‭ ‬بالقدس،‭ ‬ثم‭ ‬امتدّ‭ ‬إلى‭ ‬سائر‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬والحديث‭ ‬الغربي‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ممارسة‭ ‬أي‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتنفيذه،‭ ‬سوى‭ ‬مماطلة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬لإعطاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬لتنفيذ‭ ‬توسّعها‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬ولنسف‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬لقيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭. ‬ولم‭ ‬تتورّع‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬تمرير‭ ‬القوانين،‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬بإجماع‭ ‬أحزابها،‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬والمعارضة،‭ ‬نحو‭ ‬الضم‭ ‬والتهويد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأوامر‭ ‬والأحكام‭ ‬العسكرية،‭ ‬وقانون‭ ‬القومية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬قانون‭ ‬منع‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭.‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كما‭ ‬يدّعي‭ ‬بعضهم،‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ (‬2023‭) ‬كي‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭ ‬كله،‭ ‬إذ‭ ‬نفذته‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬57‭ ‬عاما،‭ ‬بل‭ ‬منذ‭ ‬76‭ ‬عاماً‭ ‬عندما‭ ‬ارتكبت‭ ‬النكبة‭ ‬الأولى‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬والآن‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬بعناصرها‭ ‬الإنجليكانية‭ ‬الصهيونية‭ ‬المتطرّفة،‭ ‬والتي‭ ‬يفوق‭ ‬تطرّف‭ ‬تصريحات‭ ‬بعض‭ ‬أركانها،‭ ‬مثل‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬المرشح‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مايك‭ ‬هاكابي،‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المقترح،‭ ‬ماركو‭ ‬روبيو،‭ ‬تصريحات‭ ‬نتنياهو‭ ‬وسموتريتش‭ ‬اللذيْن‭ ‬يعتقدان‭ ‬أن‭ ‬الظرف‭ ‬صار‭ ‬مهيأ‭ ‬لتنفيذ‭ ‬حلم‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بتهويد‭ ‬كل‭ ‬فلسطين‭.‬

تصريحات‭ ‬هاكابي‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وإنهم‭ ‬كيانٌ‭ ‬مخترع‭ ‬‮«‬لسلب‭ ‬أرض‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬يهودا‭ ‬والسامرة،‭ ‬وإن‭ ‬المستعمرات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬هي‭ ‬مدن‭ ‬وبلدات‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬تعني‭ ‬شيئاً‭ ‬واحدًا،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬لقرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يعيش‭ ‬العالم‭ ‬بحسب‭ ‬شريعة‭ ‬الغاب،‭ ‬ومن‭ ‬يملك‭ ‬القوة‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭.‬

والسؤال‭ ‬الأهم‭: ‬كيف‭ ‬سيردّ‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬والعرب،‭ ‬والمسلمون‭ ‬وكل‭ ‬مدعّي‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬الضم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والتوسع‭ ‬الاقليمي؟‭.. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليس‭ ‬أمامه‭ ‬إلا‭ ‬خيار‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬مقاومة‭ ‬المخطّط‭ ‬الإجرامي‭ ‬ورفض‭ ‬الاستسلام‭ ‬له،‭ ‬بتوحيد‭ ‬صفوفه‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬وطنية‭ ‬موحدة‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬كفاحي‭ ‬نضالي،‭ ‬يجنّد‭ ‬طاقات‭ ‬كل‭ ‬مكوّنات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أينما‭ ‬وجدت،‭ ‬فالمسألة‭ ‬أصبحت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يكون،‭ ‬مقاومة‭ ‬التصفية‭ ‬أو‭ ‬الفناء‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬أمام‭ ‬المؤسسة‭ ‬الرسمية‭ ‬أي‭ ‬ذريعة‭ ‬لمواصلة‭ ‬التمسّك‭ ‬بوهمي‭ ‬الحل‭ ‬الوسط‭ ‬وحلّ‭ ‬الدولتين،‭ ‬و«الوساطة‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭.‬

على‭ ‬الصعيدين،‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬مبرّر‭ ‬للتقاعس‭ ‬عن‭ ‬الانضواء‭ ‬في‭ ‬دعوة‭ ‬عالمية‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬والمقاطعة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومعاملتها‭ ‬كما‭ ‬عومل‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬باستطاعة‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تجاهل‭ ‬الحقائق،‭ ‬أو‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الخيار‭ ‬الحتمي،‭ ‬إما‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الفاشية‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬أبشع‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬التصدّي‭ ‬لها‭ ‬ومناصرة‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬وتقرير‭ ‬المصير‭ ‬والتصدي‭ ‬للتوسع‭ ‬الإقليمي‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬حل‭ ‬وسط‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬الخيارين‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬يواجه‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬اليوم‭ ‬التحدّي‭ ‬والخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬كشعب،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يعيشون،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬الوضوح‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬للظروف‭ ‬والمهام‭ ‬والتحدّيات‭ ‬التي‭ ‬تواجههم،‭ ‬بل‭ ‬لعلهم‭ ‬يحظون‭ ‬اليوم‭ ‬بالفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬الأكبر‭ ‬لخلاصهم‭.‬

 

{ الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحركة‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا