العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سوريا بعد الأسد

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ١٩ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

كان‭ ‬سقوط‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬السابق‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬متوقعا‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬طريقة‭ ‬السقوط‭ ‬وحيثياتها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬بالمرة،‭ ‬حيث‭ ‬تخلى‭ ‬عنه‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والحلفاء‭ ‬الروس‭ ‬والإيرانيون‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬دافعت‭ ‬عنه‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬2024،‭ ‬والأغرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬السوري‭ ‬قد‭ ‬تخلى‭ ‬عنه‭ ‬أيضا‭ ‬بسهولة‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قتال‭ ‬تقريبا،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مدهش‭ ‬وغريب‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬وجود‭ ‬مؤامرات‭ ‬أو‭ ‬صفقات‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬خيوطها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬وحلفاء‭ ‬قد‭ ‬شعروا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬معينة‭ ‬بأن‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬عبئا‭ ‬عليهم‭ ‬ولا‭ ‬يرجى‭ ‬من‭ ‬ورائه‭ ‬خير‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التساؤلات‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬وأن‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬الأسد‭ ‬لا‭ ‬يلوح‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أي‭ ‬مستقبل‭ ‬واضح‭ ‬وذلك‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬أهمها‭:‬

أولا‭: ‬أن‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بسهولة‭ ‬غريبة‭ ‬وغير‭ ‬مفهومة‭ ‬أمام‭ ‬هروب‭ ‬وتخلي‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬عن‭ ‬مواقعه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬تقريبا‭ ‬وسهولة‭ ‬حدوث‭ ‬العملية‭ ‬الانتقالية‭ ‬بتسليم‭ ‬السلطة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬وهي‭ ‬حكومة‭ ‬بخلفية‭ ‬دينية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬وسيرة‭ ‬أعضاء‭ ‬الحكومة،‭ ‬فإن‭ ‬التوجه‭ ‬العام‭ ‬للحكومة‭ ‬وللنظام‭ ‬الجديد‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬باستثناء‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬ومطالبة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالتحرك‭ ‬لإجبار‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬الوقف‭ ‬الفوري‭ ‬لهجماتها‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬وجبل‭ ‬الشيخ‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الملخص‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الجديدة،‭ ‬يضاف‭ ‬إليه‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬لسوريا‭ ‬وتجنب‭ ‬الانتقام‭ ‬والتصفيات‭ ‬كالتي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬وتجنب‭ ‬تصفية‭ ‬الحسابات‭ ‬المطلوبة‭ ‬وترك‭ ‬المحاسبة‭ ‬للقضاء‭ ‬السوري‭ ‬وفقا‭ ‬للقانون‭ ‬السوري‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الذين‭ ‬أساءوا‭ ‬أو‭ ‬عذبوا‭ ‬أو‭ ‬قتلوا‭ ‬السوريين،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬نوايا‭ ‬حسنة‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬خطة‭ ‬دائمة‭ ‬وواضحة،‭ ‬وما‭ ‬أسهل‭ ‬النوايا‭ ‬والشعارات‭ ‬التي‭ ‬رحب‭ ‬بها‭ ‬السوريون‭ ‬ونزلوا‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬والميادين‭ ‬للاحتفال‭ ‬بسقوط‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬آمالهم‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬لبناء‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة‭ ‬الموحدة‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬هوية‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬السياسية‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬بعد‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬الواضح‭ ‬والمباشر‭ ‬بالمرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬وكذلك‭ ‬الارتباط‭ ‬بالمخابرات‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬دعمت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬وسلحتها‭ ‬ودربتها‭ ‬وقدمت‭ ‬لها‭ ‬الدعم‭ ‬الكافي‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬باستثناء‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬لم‭ ‬تساند‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬توجهاته‭ ‬وعدم‭ ‬الاطمئنان‭ ‬الى‭ ‬مكوناته‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬بعد‭ ‬مستقبل‭ ‬علاقات‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كذلك‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬مواقف‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬تجاه‭ ‬القضايا‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وقضية‭ ‬فصائل‭ ‬المعارضة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬سابق‭ ‬لأوانه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬صادقة‭ ‬فيما‭ ‬أعلنته‭ ‬أي‭ ‬تنظيم‭ ‬انتخابات‭ ‬حرة‭ ‬ونزيهة‭ ‬بعد‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬مارس‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬سيتضح‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬ومدى‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬تجميع‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬السياسية‭ ‬والطائفية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬انهيار‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬السورية‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للشعب‭ ‬السوري‭ ‬وثقته‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭.‬

ثالثا‭: ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬النزيهة‭ ‬لمن‭ ‬ظلم‭ ‬السوريين‭ ‬ودمر‭ ‬حياتهم‭ ‬ومدى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬سياسية‭ ‬خارجية‭ ‬ناجحة‭ ‬تسهل‭ ‬وصول‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لتجاوز‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية‭ ‬بسلام‭.‬

رابعا‭: ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬سوف‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬تقريبا،‭ ‬وخاصة‭ ‬المجالات‭ ‬الخدمية‭ ‬مثل‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وتوفير‭ ‬الأمن‭ ‬والغذاء‭ ‬وتشغيل‭ ‬محطات‭ ‬الكهرباء‭ ‬وتوفير‭ ‬الوقود‭ ‬وتشغيل‭ ‬المصانع‭ ‬والشركات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬تستوعب‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬عناصر‭ ‬المناضلين‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬القديم‭ ‬مع‭ ‬تنظيف‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تورطت‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬والقتل‭ ‬والتنكيل‭ ‬بالسوريين،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقت،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للجيش‭ ‬السوري‭ ‬بالكامل‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬شيئا‭ ‬إلا‭ ‬وقصفته‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الطائرات‭ ‬والدبابات‭ ‬ومخازن‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر‭ ‬والمصانع‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالأسلحة‭.‬

خامسا‭: ‬من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬الذين‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬أعدادهم‭ ‬تفوق‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬لاجئ‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬السورية‭ ‬خلال‭ ‬12‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬دمار‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭ ‬للبيوت‭ ‬والخدمات،‭ ‬فهل‭ ‬سيتم‭ ‬استيعاب‭ ‬عودة‭ ‬هؤلاء؟‭ ‬وهل‭ ‬في‭ ‬مقدور‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬لهم؟‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬قيامهم‭ ‬بأعمال‭ ‬انتقامية‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬خروجهم‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬واستولوا‭ ‬على‭ ‬بيوتهم؟

لا‭ ‬ندري‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬مستقبل‭ ‬سوريا،‭ ‬هذا‭ ‬القطر‭ ‬العربي‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الآمال‭ ‬العريضة‭ ‬المتعلقة‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ستكون‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أجندتها‭ ‬بالتحول‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬عاشت‭ ‬فيه‭ ‬سوريا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬سنة؟‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا