كان سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد متوقعا وإن كانت طريقة السقوط وحيثياتها وتفاصيلها غير متوقعة بالمرة، حيث تخلى عنه الأصدقاء والحلفاء الروس والإيرانيون وحزب الله وغير ذلك من القوى التي دافعت عنه خلال الفترة من 2014 إلى 2024، والأغرب من ذلك أن الجيش العربي السوري قد تخلى عنه أيضا بسهولة غريبة من دون قتال تقريبا، وهذا أمر مدهش وغريب قد يدفع نحو وجود مؤامرات أو صفقات لم تظهر خيوطها حتى الآن، ولكن من الواضح أن الجميع من أصدقاء وحلفاء قد شعروا في لحظة معينة بأن نظام الأسد قد أصبح عبئا عليهم ولا يرجى من ورائه خير.
وبغض النظر عن التساؤلات المطروحة في هذه المقدمة، فإن ما حدث قد حدث وأن سوريا بعد الأسد لا يلوح لها في الأفق أي مستقبل واضح وذلك لعدة أسباب من أهمها:
أولا: أن الجماعات المسلحة التي استولت على السلطة بسهولة غريبة وغير مفهومة أمام هروب وتخلي الجيش السوري عن مواقعه في كل مكان تقريبا وسهولة حدوث العملية الانتقالية بتسليم السلطة من الحكومة السابقة إلى الحكومة الحالية وهي حكومة بخلفية دينية من تاريخ وسيرة أعضاء الحكومة، فإن التوجه العام للحكومة وللنظام الجديد لم يتضح باستثناء الرغبة في تشكيل مؤسسات الدولة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومطالبة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالتحرك لإجبار الكيان الصهيوني على الوقف الفوري لهجماتها على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي احتلتها في الجولان وجبل الشيخ وغيرها، وهذا هو الملخص المعلن من القيادة الجديدة، يضاف إليه التأكيد على الوحدة الوطنية لسوريا وتجنب الانتقام والتصفيات كالتي حدثت في العراق والدعوة إلى وحدة الصف وتجنب تصفية الحسابات المطلوبة وترك المحاسبة للقضاء السوري وفقا للقانون السوري بالنسبة إلى الذين أساءوا أو عذبوا أو قتلوا السوريين، ولكن هذا البرنامج هو أقرب إلى نوايا حسنة منه إلى خطة دائمة وواضحة، وما أسهل النوايا والشعارات التي رحب بها السوريون ونزلوا إلى الشوارع والميادين للاحتفال بسقوط النظام السابق والتعبير عن آمالهم وتطلعاتهم لبناء سوريا الجديدة الموحدة.
ثانيا: إن هوية النظام الجديد السياسية لم تظهر بعد بشكل واضح بالرغم من الارتباط الواضح والمباشر بالمرجعية الدينية وكذلك الارتباط بالمخابرات التركية التي دعمت هذه المجموعات وسلحتها ودربتها وقدمت لها الدعم الكافي للاستيلاء على السلطة بهذه السهولة، ومع ذلك لا تزال أغلب دول العالم باستثناء عدد قليل لم تساند النظام الجديد لهذا السبب أي عدم وضوح توجهاته وعدم الاطمئنان الى مكوناته وتوجهاتها المستقبلية ولذلك لم يتضح بعد مستقبل علاقات النظام الجديد مع دول العالم، كذلك لم تتضح مواقف النظام الجديد تجاه القضايا المحورية في العلاقات مع العرب وإسرائيل وقضية فصائل المعارضة الأخرى التي لم تشترك في الحكومة الجديدة، وهذا أمر سابق لأوانه إلا إذا كانت هذه السلطة صادقة فيما أعلنته أي تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بعد المرحلة الانتقالية التي تنتهي في نهاية مارس 2025، حيث سيتضح المسار السياسي ومدى قدرته على تجميع كل الأطراف السياسية والطائفية في سوريا وضمان عدم انهيار مؤسسات الدولة السورية بما يضمن الحياة الطبيعية للشعب السوري وثقته في النظام الجديد.
ثالثا: مدى قدرة هذا النظام الجديد على تحقيق المصالحة الوطنية والمحاسبة النزيهة لمن ظلم السوريين ودمر حياتهم ومدى القدرة على إقامة علاقات سياسية خارجية ناجحة تسهل وصول المساعدات إلى سوريا من مختلف دول العالم لتجاوز المرحلة الحالية بسلام.
رابعا: إن النظام الجديد سوف يواجه تحديات غير مسبوقة في كافة المجالات تقريبا، وخاصة المجالات الخدمية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية وتوفير الأمن والغذاء وتشغيل محطات الكهرباء وتوفير الوقود وتشغيل المصانع والشركات، بالإضافة إلى إعادة بناء المؤسسة العسكرية السورية على أسس جديدة تستوعب داخل هذه المنظومة عناصر المناضلين التي شاركت في الإطاحة بالنظام القديم مع تنظيف الجيش السوري من العناصر التي تورطت في الفساد والقتل والتنكيل بالسوريين، وهذا أمر يحتاج إلى وقت، خاصة بعد أن قامت إسرائيل بتدمير البنية التحتية للجيش السوري بالكامل ولم تترك شيئا إلا وقصفته بما في ذلك الطائرات والدبابات ومخازن الأسلحة والذخائر والمصانع ومراكز الأبحاث المرتبطة بالأسلحة.
خامسا: من المنتظر أن تواجه النظام الجديد مشكلة اللاجئين السوريين الذين يقال إن أعدادهم تفوق 12 مليون لاجئ في مختلف أرجاء العالم وخاصة بعد عودتهم إلى بلادهم في ظل ما شهدته المدن والقرى السورية خلال 12 سنة من دمار شبه كامل للبيوت والخدمات، فهل سيتم استيعاب عودة هؤلاء؟ وهل في مقدور النظام الجديد توفير الخدمات الأساسية لهم؟ وضمان عدم قيامهم بأعمال انتقامية من الذين تسببوا في خروجهم من مدنهم واستولوا على بيوتهم؟
لا ندري إلى حد الآن ما مستقبل سوريا، هذا القطر العربي الشقيق في ظل النظام الجديد، على الرغم من الآمال العريضة المتعلقة عليه ولا ندري إلى أي مدى ستكون الجماعات المسلحة التي استولت على السلطة قادرة على تحقيق أجندتها بالتحول تدريجيا إلى الديمقراطية بعيدا عن نظام الحزب الواحد الذي عاشت فيه سوريا لأكثر من 50 سنة؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك