العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الاستنبات.. بين العلم والتقاليد!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الاستنبات‭ ‬هو‭ ‬جلب‭ ‬بذور‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬معينة‭ ‬وزرعها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬أخرى،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬البذور‭ ‬بذورا‭ ‬علمية‭ ‬تتفق‭ ‬عليها‭ ‬الأمم،‭ ‬فمثلًا‭: ‬اتفقت‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحقائق‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬ولا‭ ‬تتبدل،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬كيمياء‭ ‬أمريكية،‭ ‬وكيمياء‭ ‬روسية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬كهرباء‭ ‬بريطانية،‭ ‬وأخرى‭ ‬فرنسية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتفق‭ ‬فيه‭ ‬البشرية‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬العلمية،‭ ‬فإن‭ ‬الأمم‭ ‬تختلف‭ ‬حول‭ ‬التقاليد‭ ‬والأعراف،‭ ‬فكل‭ ‬أمة‭ ‬لها‭ ‬تقاليدها‭ ‬وأعرافها،‭ ‬وبقدر‭ ‬اتفاق‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬العلمية،‭ ‬فهي‭ ‬تختلف‭ ‬حول‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬سبيل‭ ‬الأمم‭ ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬هو‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وأهمية‭ ‬استنبات‭ ‬بذور‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية،‭ ‬وجلب‭ ‬العقول‭ ‬العلمية‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬وذلك‭ ‬لإحداث‭ ‬نهضة‭ ‬علمية‭ ‬تدفع‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬التقدم،‭ ‬وتخير‭ ‬أفضل‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬برعت‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬ميادين‭ ‬العلم،‭ ‬من‭ ‬المعوقات‭ ‬التي‭ ‬يضعها‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فالغرب‭ ‬مثلًا‭ ‬يمنع‭ ‬الطلبة‭ ‬الذين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬تتعلق‭ ‬بعلوم‭ ‬الذرة،‭ ‬وحين‭ ‬يرى‭ ‬الغرب‭ ‬طلبة‭ ‬نابهين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يستقطبهم،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬ذلك‭ ‬تخلص‭ ‬منهم‭ ‬بالقتل‭.‬

أما‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬استنبات‭ ‬المدنية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالأعراف‭ ‬والتقاليد،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية،‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالذرة‭ ‬وعلومها،‭ ‬واستنبات‭ ‬بذورها‭ ‬التي‭ ‬يخشى‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬نوابغ‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتأملوا‭ ‬كيف‭ ‬يهتم‭ ‬الغرب‭ ‬بالدراسات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بحياة‭ ‬الإنسان‭ ‬والبيئة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها،‭ ‬ويعايشها،‭ ‬ولنضرب‭ ‬مثالًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬،‭ ‬ومحاولة‭ ‬غرس‭ ‬مفاهيم‭ ‬تتصادم‭ ‬مع‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام،‭ ‬فينشأ‭ ‬الطلاب‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬ومفاهيم‭ ‬ليست‭ ‬إسلامية،‭ ‬بل‭ ‬وتصادم‭ ‬القيم‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ويرغب‭ ‬فيها‭ ‬وما‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬التربوية‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬بسببها،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬جهلنا‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬نأخذ‭ ‬جانبًا‭ ‬منها‭ ‬ونهمل‭ ‬جوانبها‭ ‬الأخرى‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وفشلها‭ ‬عندنا‭.‬

كذلك‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬هندسة‭ ‬البناء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬الإسلامية‭ ‬لكن‭ ‬المهندسين‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬علومهم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬يقتطعون‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬الشاذة‭ ‬حين‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬تعاليم‭ ‬الإسلام،‭ ‬فيجعلون‭ ‬مثلًا‭ ‬فناء‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ (‬الحوش‭) ‬هو‭ ‬فًي‭ ‬الوسط‭ ‬وتحيط‭ ‬به‭ ‬الغرف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬فتحافظ‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬المكان‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬لو‭ ‬بُني‭ ‬الفناء‭ ‬أو‭ ‬الحوش‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬والغرف‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬أيضًا‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬بناء‭ ‬الشرفات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬ربة‭ ‬المنزل‭ ‬أي‭ ‬بأس‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬الشرفة‭ ‬وهي‭ ‬بقميص‭ ‬النوم‭.‬

كذلك‭ ‬يأتي‭ ‬دعاة‭ ‬العصرية‭ ‬والفرنجة‭ ‬بأفكار‭ ‬تحررية‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬بأسًا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يأباها‭ ‬الإسلام‭ ‬ويستنكرها،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬إطلاق‭ ‬العنان‭ ‬والحرية‭ ‬للبنت‭ ‬حين‭ ‬تبلغ‭ ‬الثمانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬وحدها،‭ ‬ولها‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تساكن‭ ‬من‭ ‬تشاء‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬وأن‭ ‬تتولى‭ ‬بنفسها‭ ‬أمر‭ ‬معيشتها،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬الإسلام،‭ ‬لأن‭ ‬البنت‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬مسؤولية‭ ‬أسرتها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الأب‭ ‬والأشقاء،‭ ‬وإذا‭ ‬تغيرت‭ ‬أحوالها‭ ‬بالطلاق‭ ‬أو‭ ‬بموت‭ ‬زوجها‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إذًا‭ ‬فالفتاة‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تظل‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬والدها‭ ‬أو‭ ‬أشقائها‭ ‬حتى‭ ‬تتزوج،‭ ‬فإذا‭ ‬طلقت‭ ‬أو‭ ‬مات‭ ‬عنها‭ ‬زوجها‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الأسرة،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬توفق‭ ‬في‭ ‬زيجة‭ ‬أخرى‭ ‬تعود‭ ‬الفتاة‭ ‬إلى‭ ‬رعاية‭ ‬الأسرة،‭ ‬ولهذا‭ ‬فلا‭ ‬نعجب‭ ‬حين‭ ‬نرى‭ ‬اهتمام‭ ‬الإسلام‭ ‬بالأسرة‭ ‬وتماسكها،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وقضى‭ ‬ربك‭ ‬ألا‭ ‬تعبدوا‭ ‬إلا‭ ‬إياه‭ ‬وبالوالدين‭ ‬إحسانا‭ ‬إما‭ ‬يبلغن‭ ‬عندك‭ ‬الكبر‭ ‬أحدهما‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‭ ‬فلا‭ ‬تقل‭ ‬لهما‭ ‬أفٍ‭ ‬ولا‭ ‬تنهرهما‭ ‬وقل‭ ‬لهما‭ ‬قولًا‭ ‬كريما‭ (‬23‭) ‬واخفض‭ ‬لهما‭ ‬جناح‭ ‬الذل‭ ‬من‭ ‬الرحمة‭ ‬وقل‭ ‬رب‭ ‬ارحمهما‭ ‬كما‭ ‬ربياني‭ ‬صغيرا‭ (‬24‭)) ‬سورة‭ ‬الإسراء‭.‬

إذًا،‭ ‬فالكفالة‭ ‬متبادلة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشارت‭ ‬إليه‭ ‬الآيتان‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الإسراء،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬الأبناء‭ ‬إلى‭ ‬آبائهم‭ ‬تضمنت‭ ‬من‭ ‬إحسان‭ ‬ورعاية‭ ‬هو‭ ‬سداد‭ ‬دَيْنٍ‭ ‬مستحق‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬لآبائهم‭.‬

ذلكم‭ ‬هو‭ ‬الإسلام،‭ ‬وذلك‭ ‬هو‭ ‬عطاؤه‭ ‬ورعايته‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬للمرأة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أحوالها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا