العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عندما كنا عظماء.. صلاح الدين الأيوبي

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

تشير‭ ‬المراجع‭ ‬والمصادر‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬القائد‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬قائد‭ ‬عسكري‭ ‬عادي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬زعيمًا‭ ‬متكاملًا‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والكفاءة‭ ‬المهنية،‭ ‬فاستطاع‭ ‬توحيد‭ ‬الشعوب‭ ‬المتعددة‭ ‬الثقافات‭ ‬والديانات،‭ ‬وكذلك‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬أعداء‭ ‬أقوياء‭ ‬باستخدام‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والحرب،‭ ‬مع‭ ‬الالتزام‭ ‬بمبادئه‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬نجاحه‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬القدس‭ ‬وتأسيس‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬ومستقرة‭ ‬يُعدّ‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬مهاراته‭ ‬القيادية‭ ‬الاستثنائية‭.‬

تشير‭ ‬كتب‭ ‬السير‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬كانت‭ ‬مزيجًا‭ ‬قويًا‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬والدبلوماسية،‭ ‬ممزوجة‭ ‬بفكرة‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬جهاد‭ ‬مقدس‭ ‬ضد‭ ‬الإمارات‭ ‬الصليبية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬بدورها‭ ‬دولًا‭ ‬لاتينية‭ ‬مثل‭ (‬مملكة‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭). ‬وعلى‭ ‬الرغْم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬أي‭ ‬مخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬على‭ ‬أعدائه‭ ‬بأطيافهم‭ ‬المختلفة‭. ‬وتم‭ ‬تعزيز‭ ‬سيادة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬بين‭ ‬زعماء‭ ‬المسلمين‭ ‬عندما‭ ‬اعترف‭ ‬به‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬رسميًا‭ ‬حاكمًا‭ ‬لمصر،‭ ‬والشام،‭ ‬واليمن‭. ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬أخطار‭ ‬شخصية‭ ‬كثيرة،‭ ‬حيث‭ ‬نجا‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬مرتين‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬اغتيال‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الحشاشين،‭ ‬ورد‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬فورًا‭ ‬بمهاجمة‭ ‬القلعة‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الحشاشون‭ ‬في‭ (‬مدينة‭ ‬مصياف‭) ‬وكذلك‭ ‬المنطقة‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬اتبع‭ ‬الطريق‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬أيضًا،‭ ‬وخاصةً‭ ‬زواجه‭ ‬بـ‭(‬عصمة‭ ‬الدين‭ ‬خاتون‭)‬،‭ ‬أرملة‭ (‬نور‭ ‬الدين‭ ‬زنكي‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬ابنة‭ ‬حاكم‭ ‬دمشق‭ ‬الراحل‭ (‬معين‭ ‬الدين‭ ‬أنر‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬فقد‭ ‬ربط‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬نفسه‭ ‬بسهولة‭ ‬مع‭ ‬سلالتين‭ ‬حاكمتين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬وعلى‭ ‬طول‭ ‬طريقه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬انتكاسات‭ ‬أيضًا‭ ‬مثل‭ ‬هزيمته‭ ‬أمام‭ ‬الفرنجة،‭ ‬وهو‭ ‬التعريف‭ ‬العربي‭ ‬للصليبيين،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ (‬معركة‭ ‬تل‭ ‬الجزر‭) ‬عام‭ ‬1177م،‭ ‬لكن‭ ‬أوضحت‭ ‬انتصاراته‭ ‬عام‭ ‬1179م‭ ‬في‭ ‬معركة‭ (‬مرج‭ ‬عيون‭) ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬قلعة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الأرْدُنّ‭ ‬نية‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬تخليص‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬الفرنجة‭.‬

وبدأت‭ ‬معركة‭ ‬حطين‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬يوليو‭ ‬1187م،‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬رماة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬بعملية‭ ‬الكر‭ ‬والفر‭ ‬المستمرة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مضايقة‭ ‬مستمرة‭ ‬للفرنجة‭ ‬الزاحفين،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬المؤرخين‭ ‬المسلمين‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬غاصت‭ ‬فيهم‭ ‬السهام،‭ ‬فحولت‭ ‬أسودهم‭ ‬إلى‭ ‬قنافذ‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬تم‭ ‬اشتباك‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬حيث‭ ‬تمكن‭ ‬فيه‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬حطين‭. ‬كان‭ ‬الفرنجة‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ (‬غي‭ ‬دي‭ ‬لوزينيان‭) ‬أو‭ ‬كما‭ ‬أسماه‭ ‬العرب‭ (‬جفري‭)‬،‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ (‬حكم‭ ‬من‭ ‬1186م‭ ‬إلى‭ ‬1192م‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬الفرنجة‭ ‬يفوقون‭ ‬جيش‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬عددًا،‭ ‬لكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعانون‭ ‬نقصًا‭ ‬شديدًا‭ ‬في‭ ‬المياه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أشعل‭ ‬جيش‭ ‬المسلمين‭ ‬‭ ‬المزود‭ ‬بإمدادات‭ ‬وفيرة‭ ‬بفضل‭ ‬قوافل‭ ‬الجمال‭ ‬‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬العشب‭ ‬الجاف‭ ‬والأغصان‭ ‬لإثارة‭ ‬عطش‭ ‬العدو‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭. ‬انهار‭ ‬تشكيل‭ ‬الفرنجة،‭ ‬وكانت‭ ‬المشاة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬توفر‭ ‬حلقة‭ ‬الحماية‭ ‬المعتادة‭ ‬لسلاح‭ ‬الفرسان‭ ‬الصادم‭. ‬اخترقت‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬الفرسان‭ ‬بقيادة‭ (‬ريموند‭ ‬الثالث‭) ‬خطوط‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مفر‭ ‬لبقية‭ ‬الجيش‭ ‬وحقق‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬انتصارًا‭ ‬مدويًا‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬جيش‭ ‬جمعه‭ ‬الفرنجة‭ ‬إطلاقًا‭.‬

 

القدرات‭ ‬القيادية‭ ‬لدى‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي

ليس‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬تحليل‭ ‬شخصية‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬القيادية‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬قدراته‭ ‬ومهاراته‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قائدًا‭ ‬دكتاتوريًا‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬يدعي،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬قائدًا‭ ‬يتحلى‭ ‬بالمبادئ‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ويعيش‭ ‬الفكر‭ ‬والعقيدة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نلخص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الصفات‭ ‬بعضها‭:‬

 

أولاً‭: ‬القدرة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستراتيجية

1‭. ‬أظهر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬عبقرية‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬الجبهة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحت‭ ‬قيادته،‭ ‬حيث‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يوحد‭ ‬مصر،‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬والحجاز،‭ ‬وهو‭ ‬إنجاز‭ ‬صعب‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تشرذم‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬آنذاك‭.‬

2‭. ‬قاد‭ ‬حملة‭ ‬ناجحة‭ ‬ضد‭ ‬الصليبيين،‭ ‬وكان‭ ‬انتصاره‭ ‬في‮ ‬معركة‭ ‬حطين‭ (‬1187م‭)‬‮ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬أمثلة‭ ‬التخطيط‭ ‬العسكري‭ ‬البارع،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬أن‭ ‬يُضعف‭ ‬القوى‭ ‬الصليبية‭ ‬ويسترد‭ ‬القدس‭ ‬لاحقًا،‭ ‬وهو‭ ‬إنجاز‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬صدى‭ ‬عالمي‭.‬

3‭. ‬تميّز‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بالمرونة‭ ‬في‭ ‬التخطيط،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬خصومه‭ ‬وموازنة‭ ‬الموارد‭ ‬المحدودة‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬الكبيرة‭.‬

4‭. ‬كان‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬قائدًا‭ ‬يقود‭ ‬من‭ ‬الأمام،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬شخصيًا‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬الكبرى،‭ ‬مما‭ ‬رفع‭ ‬من‭ ‬معنويات‭ ‬جيشه‭ ‬وشجعهم‭ ‬على‭ ‬القتال‭.‬

5‭. ‬عرف‭ ‬بالعدل‭ ‬بين‭ ‬جنوده‭ ‬وشعبه،‭ ‬مما‭ ‬عزز‭ ‬ثقته‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجيش‭ ‬والمجتمع‭.‬

6‭. ‬أدار‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬دولته‭ ‬بحنكة،‭ ‬واعتمد‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬إداري‭ ‬فعّال،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬الكفاءات‭ ‬المناسبة‭ ‬لمناصب‭ ‬القيادة،‭ ‬مما‭ ‬ساعده‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإداري‭ ‬والسياسي‭.‬

7‭. ‬أظهر‭ ‬فهمًا‭ ‬عميقًا‭ ‬للأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬سيطر‭ ‬عليها،‭ ‬وكان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬القوة‭ ‬والدبلوماسية‭.‬

8‭. ‬عمل‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬استراتيجية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬لتوحيد‭ ‬المسلمين‭ ‬ضد‭ ‬الصليبيين،‭ ‬فبدأ‭ ‬أولًا‭ ‬بتوطيد‭ ‬حكمه‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬والحجاز‭ ‬لتأمين‭ ‬جبهته‭ ‬الداخلية‭.‬

9‭. ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ (‬التضييق‭ ‬الممنهج‭) ‬ضد‭ ‬الصليبيين،‭ ‬حيث‭ ‬استهدف‭ ‬معاقلهم‭ ‬وحاصرهم‭ ‬تدريجيًا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مواجهتهم‭ ‬مباشرةً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭.‬

 

ثانيًا‭: ‬الرؤية‭ ‬السياسية‭ ‬والإدارية

1‭. ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬رؤية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬لتوحيد‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬الصليبية،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬سياسية‭ ‬معقدة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الانقسامات‭ ‬القبلية‭ ‬والطائفية‭.‬

2‭. ‬أدار‭ ‬دولة‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف‭ ‬بحكمة،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬مستشارين‭ ‬أكفاء‭ ‬ومراعاة‭ ‬احتياجات‭ ‬الشعوب‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬سيطر‭ ‬عليها‭.‬

3‭. ‬قام‭ ‬بتعزيز‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬وتشجيع‭ ‬العلماء،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قوة‭ ‬دولته‭.‬

4‭. ‬بصفته‭ ‬قائدًا‭ ‬لدولة‭ ‬مترامية‭ ‬الأطراف،‭ ‬واجه‭ ‬تحديات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ولوجستية‭ ‬كبيرة‭. ‬ولكنه‭ ‬استطاع‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬بحنكة،‭ ‬معتمدًا‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬التجارة،‭ ‬وضمان‭ ‬استقرار‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬استولى‭ ‬عليها‭.‬

5‭. ‬أظهر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬عدالة‭ ‬غير‭ ‬معتادة‭ ‬في‭ ‬زمنه،‭ ‬فقد‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬القسوة‭ ‬الضرورية‭ ‬لفرض‭ ‬النظام‭ ‬والرحمة‭ ‬التي‭ ‬تكسبه‭ ‬احترام‭ ‬الناس‭.‬

6‭. ‬خلال‭ ‬حملاته‭ ‬العسكرية،‭ ‬كان‭ ‬يعامل‭ ‬الأسرى‭ ‬بإنسانية،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يحظى‭ ‬بإعجاب‭ ‬حتى‭ ‬أعدائه‭.‬

 

ثالثًا‭: ‬أخلاقه‭ ‬وإنسانيته

1‭. ‬تميّز‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بتواضعه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قوته‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬هذا‭ ‬التواضع‭ ‬مكّنه‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬ولاء‭ ‬أتباعه‭ ‬وجنوده،‭ ‬وخلق‭ ‬رابط‭ ‬إنساني‭ ‬مع‭ ‬شعبه‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬معاملته‭ ‬للخصوم‭ ‬بعد‭ ‬استعادة‭ ‬القدس‭ ‬عام‭ ‬1187م؛‭ ‬حيث‭ ‬قدّم‭ ‬الأمان‭ ‬للأسرى‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الصليبيون‭ ‬عند‭ ‬احتلالهم‭ ‬للمدينة‭ ‬عام‭ ‬1099م‭.‬

2‭. ‬اشتهر‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬بروحه‭ ‬الفروسية‭ ‬واحترامه‭ ‬لأعدائه،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬المؤرخين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬المعاصرين‭ ‬وصفوه‭ ‬بـ‭(‬الفارس‭ ‬النبيل‭).‬

3‭. ‬تجنّب‭ ‬العنف‭ ‬غير‭ ‬الضروري‭ ‬وحاول‭ ‬دائمًا‭ ‬استخدام‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬قبل‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭.‬

 

ومن‭ ‬أقواله‭ ‬رحمه‭ ‬الله

1‭. ‬عن‭ ‬القوة‭ ‬والأخلاق‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬أنا‭ ‬عبد‭ ‬من‭ ‬عباد‭ ‬الله،‭ ‬ألتمس‭ ‬رضاه‭ ‬بطاعته‮»‬،‭ ‬قالها‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬تواضعه‭ ‬وتقديره‭ ‬لواجبه‭ ‬الديني‭ ‬كقائد‭ ‬ومسؤول‭ ‬أمام‭ ‬الله،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬تعكس‭ ‬فهمه‭ ‬العميق‭ ‬لدوره‭ ‬كحاكم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بالعدل‭ ‬والمسؤولية‭.‬

2‭. ‬عن‭ ‬التواضع‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬أبتسم‭ ‬والأقصى‭ ‬أسير؟‮»‬،‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬إحساسه‭ ‬العميق‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬تحرير‭ ‬القدس،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬الأسمى،‭ ‬يبرز‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬التزامه‭ ‬بقضية‭ ‬أمته‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬تحرير‭ ‬الأراضي‭ ‬المقدسة‭.‬

3‭. ‬عن‭ ‬الوحدة‭: ‬‮«‬لو‭ ‬اتحد‭ ‬المسلمون‭ ‬جميعًا‭ ‬لما‭ ‬وقف‭ ‬أمامهم‭ ‬عدو‮»‬،‭ ‬قالها‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المشتركة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمزق‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬آنذاك‭.‬

4‭. ‬عن‭ ‬التسامح‭ ‬مع‭ ‬الأعداء‭: ‬‮«‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬فضل‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬أحب‭ ‬إليّ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للناس‭ ‬فضل‭ ‬عليّ‮»‬،‭ ‬تعكس‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬فلسفته‭ ‬في‭ ‬التسامح‭ ‬والرحمة‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬أعدائه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الخير‭ ‬للآخرين‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التفوق‭ ‬عليهم‭ ‬فقط‭.‬

5‭. ‬عن‭ ‬شرف‭ ‬القيادة‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬غدا‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬ضدي،‭ ‬وألقى‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬وجهي،‭ ‬فإنني‭ ‬سأظل‭ ‬أحمل‭ ‬سيفي،‭ ‬وأقاتل‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬الحق‭ ‬إلى‭ ‬نصابه‮»‬،‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬عزيمته‭ ‬وإصراره‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬والعدالة،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭ ‬صعبة‭.‬

 

ماذا‭ ‬قال‭ ‬أعداؤه‭ ‬عنه؟

1‭. ‬قال‭ ‬ريتشارد‭ ‬قلب‭ ‬الأسد‭ (‬ملك‭ ‬إنجلترا‭)‬؛‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المواجهات‭ ‬الحادة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬خلال‭ ‬الحملة‭ ‬الصليبية‭ ‬الثالثة‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬رجل‭ ‬شريف‭ ‬ونبيل،‭ ‬لا‭ ‬يُضاهيه‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬شجاعته‭ ‬وكرمه‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬الإعجاب‭ ‬تجلى‭ ‬أيضًا‭ ‬عندما‭ ‬مرض‭ ‬ريتشارد،‭ ‬وأرسل‭ ‬له‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬طبيبه‭ ‬الخاص‭ ‬وبعض‭ ‬الهدايا‭ ‬كدليل‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬والفروسية‭.‬

2‭. ‬قال‭ ‬المؤرخ‭ ‬الصليبي‭ (‬إيمريك‭)‬،‭ ‬عن‭ ‬تسامح‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭: ‬‮«‬بينما‭ ‬ذبحنا‭ ‬نحن‭ ‬المسلمين‭ ‬دون‭ ‬رحمة،‭ ‬عاملنا‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬برحمة‭ ‬وإنسانية‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نستحقها‮»‬‭.‬

3‭. ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬المؤرخ‭ ‬جيمس‭ ‬ريستون‭ ‬في‭ ‬كتابه‮ ‬‭(‬حروب‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬والغرب‭): ‬إنه‭ ‬‮«‬قائد‭ ‬استثنائي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الذكاء‭ ‬العسكري‭ ‬والتسامح‭ ‬الديني،‭ ‬وتفوق‭ ‬في‭ ‬أخلاقه‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬ملوك‭ ‬أوروبا‮»‬،‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬كان‭ ‬يضع‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬فوق‭ ‬المكاسب‭ ‬العسكرية‭.‬

 

وهذا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض،‭ ‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬معارضته‭ ‬الداخلية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الممالك‭ ‬الداخلية‭ ‬وبعض‭ ‬القادة‭ ‬المحليين‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬توحيد‭ ‬سلطتهم‭ ‬تحت‭ ‬حكمه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بفضل‭ ‬دبلوماسيته‭ ‬الفذة‭ ‬توحيدهم‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬واحدة‭ ‬لهدف‭ ‬أسمى‭ ‬وهو‭ ‬الصراع‭ ‬القوي‭ ‬مع‭ ‬الصليبيين‭ ‬وخاصة‭ (‬ريتشارد‭ ‬قلب‭ ‬الأسد‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬خصمًا‭ ‬عنيدًا‭.‬

وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬معاركه‭ ‬الحربية‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جبهاته،‭ ‬سواء‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬أو‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬شخصيته‭ ‬مزيجًا‭ ‬من‭ ‬التواضع‭ ‬والعدالة‭ ‬والشجاعة،‭ ‬وكذلك‭ ‬فإن‭ ‬قدراته‭ ‬المهنية‭ ‬كانت‭ ‬نادرة‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬ديكتاتورية،‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬قائد‭ ‬عسكري،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬زعيمًا‭ ‬أخلاقيًا‭ ‬وسياسيًا‭.‬

وكل‭ ‬الذي‭ ‬أرجو‭ ‬من‭ ‬محاربيه‭ ‬وباغضيه‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭.‬

 

zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا