العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الهندسة الاجتماعية.. بين التلاعب بالعقول وتحدي حماية البيانات

بقلم: عبدالرحمن الخطيب {

الجمعة ١٣ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الأساليب‭ ‬ابتكارا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاحتيال،‭ ‬وأكثرها‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬ولا‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬باختراق‭ ‬الأنظمة‭ ‬التقنية‭ ‬أو‭ ‬الحواسيب،‭ ‬بل‭ ‬يتعلق‭ ‬بخداع‭ ‬العقول‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬وأقل‭ ‬وضوحًا،‭ ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مرتبطا‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬وحيث‭ ‬تزداد‭ ‬قيمة‭ ‬البيانات‭ ‬عامة‭ ‬والمعلومات‭ ‬الشخصية‭ ‬بالتحديد‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬تصبح‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أسلوبا‭ ‬حيويا‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬أدوات‭ ‬تقنية‭ ‬معقدة‭.‬

تبدأ‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬عادة‭ ‬بمناورة‭ ‬نفسية‭ ‬بسيطة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬ثقة‭ ‬بين‭ ‬المهاجم‭ ‬والضحية،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬المهاجم‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭ ‬أو‭ ‬موظفا‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬معروفة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬تواصل‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬المؤسسات‭ ‬المصرفية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شخصا‭ ‬يدّعي‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬حكومية‭ ‬تدعم‭ ‬الأفراد‭ ‬مثلا‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأساليب‭ ‬المستخدمة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬بسيطة،‭ ‬فإن‭ ‬نتائجها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كارثية،‭ ‬فمن‭ ‬أساليب‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعا‭ ‬نجد‭ ‬التصيد‭ ‬الاحتيالي،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الطرق‭ ‬فعالية،‭ ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الهجوم،‭ ‬يرسل‭ ‬المهاجم‭ ‬رسالة‭ ‬تبدو‭ ‬من‭ ‬مصدر‭ ‬موثوق،‭ ‬مثل‭ ‬بنك‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬معروفة،‭ ‬ليطلب‭ ‬من‭ ‬الضحية‭ ‬تحديث‭ ‬معلوماته‭ ‬الشخصية‭ ‬أو‭ ‬المالية،‭ ‬قد‭ ‬تحتوي‭ ‬الرسالة‭ ‬على‭ ‬رابط‭ ‬مزيف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬يبدو‭ ‬حقيقيا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬فخ‭ ‬للإيقاع‭ ‬بالضحية‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬الاستغلال‭ ‬العاطفي،‭ ‬فيعتمد‭ ‬المهاجم‭ ‬على‭ ‬إثارة‭ ‬مشاعر‭ ‬الضحية‭ ‬لتحفيز‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سريع‭ ‬وغير‭ ‬مدروس،‭ ‬فقد‭ ‬يتظاهر‭ ‬المهاجم‭ ‬بمشكلة‭ ‬طارئة،‭ ‬مثل‭ ‬حادث‭ ‬لجهة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الضحية،‭ ‬ليحثه‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬للحظة‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬الموقف،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬التخفي‭ ‬عبر‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‮»‬،‭ ‬يُستغل‭ ‬الاتصال‭ ‬المباشر‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬حيث‭ ‬يتظاهر‭ ‬المهاجم‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬رسمية،‭ ‬مثل‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬خدمات،‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬الضحية‭ ‬تقديم‭ ‬بيانات‭ ‬شخصية،‭ ‬مثل‭ ‬أرقام‭ ‬الحسابات‭ ‬أو‭ ‬كلمة‭ ‬المرور‭.‬

هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬بسيطة،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التلاعب‭ ‬بالعواطف،‭ ‬واستغلال‭ ‬الثقة‭ ‬أو‭ ‬الجهل،‭ ‬وعندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالبلدان‭ ‬العربية،‭ ‬يصبح‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭. ‬فبلادنا،‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بتحديات‭ ‬متعددة‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬كثيرة،‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬عرضة‭ ‬لهذه‭ ‬الأنواع‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬فئات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬المواطنون‭ ‬عرضة‭ ‬للاستغلال‭ ‬بسهولة‭ ‬أكبر‭.‬

الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬سرقة‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية،‭ ‬وهي‭ ‬أداة‭ ‬تستهدف‭ ‬بنية‭ ‬الأفراد‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وتتسلل‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬حيث‭ ‬يتعرض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬للمشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬السياسية،‭ ‬يمكن‭ ‬للمهاجم‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬فعالية‭ ‬الهجمات،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الوعي‭ ‬الجماعي‭ ‬بأهمية‭ ‬الحماية‭ ‬الرقمية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬الخطر‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬وعلى‭ ‬مؤسساتهم‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬فإن‭ ‬إدراك‭ ‬المجتمع‭ ‬لهذه‭ ‬التهديدات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬تحولا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الأفراد‭ ‬والمؤسسات‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الهجمات،‭ ‬ومع‭ ‬تزايد‭ ‬استخدام‭ ‬الإنترنت،‭ ‬يصبح‭ ‬الوعي‭ ‬الرقمي‭ ‬أداة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للهندسة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فالتوعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدرع‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعليم‭ ‬الأفراد‭ ‬كيفية‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬المتصل‭ ‬أو‭ ‬الرسالة،‭ ‬وكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬مشبوهة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمنية‭ ‬بات‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬فقط‭ ‬تحديث‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المستخدمة‭ ‬لحماية‭ ‬البيانات،‭ ‬بل‭ ‬أيضًا‭ ‬تدريب‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬حماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬تدريب‭ ‬الموظفين‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تقديم‭ ‬معلومات‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حوارات‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬غير‭ ‬معروفة،‭ ‬يصبح‭ ‬أمرًا‭ ‬حيويا‭ ‬ويتطلب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المؤسسات‭ ‬والجامعات‭ ‬والجمعيات‭ ‬والأمن‭ ‬لتقديم‭ ‬برامج‭ ‬توعوية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬الأمني‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭.‬

كذلك‭ ‬فان‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الأنظمة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬العقل‭ ‬البشري،‭ ‬لذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الدفاع‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬يتطلب‭ ‬فهمًا‭ ‬عميقًا‭ ‬للنفوس‭ ‬البشرية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬

إذا‭ ‬تمكنت‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬توعية‭ ‬أفرادها‭ ‬بهذا‭ ‬الخطر،‭ ‬يمكنهم‭ ‬تقليل‭ ‬فرص‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الهندسة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وحماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭.‬

 

{‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا