العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إلى أين تتجه الأوضاع الجديدة في سوريا؟!

بقلم: عبد الله السناوي {

الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

استهداف‭ ‬سوريا‭ ‬وجودًا‭ ‬ودورًا‭ ‬لم‭ ‬ينشأ‭ ‬اليوم‭. ‬إنّها‭ ‬قصة‭ ‬طويلة‭ ‬ومؤلمة‭. ‬بحقائق‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسيّة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬سقطت‭ ‬سوريا‭ ‬تتقوّض‭ ‬مصر‭ ‬ويخسر‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬أيّ‭ ‬مناعة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تفكيك‭ ‬دوله‭ ‬والتلاعب‭ ‬بمصائره‭. ‬هذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بديهيّات‭ ‬نظريّة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭.‬

بعد‭ ‬حرب‭ ‬السويس‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬وفشل‭ ‬إخضاع‭ ‬مصر،‭ ‬وُضعت‭ ‬خطّة‭ ‬أمريكيّة‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬ستراغل‮»‬‭. ‬كانت‭ ‬تقضي‭ ‬بأنّ‭ ‬إسقاط‭ ‬سوريا‭ ‬يُفضي‭ ‬مباشرةً‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬مصر‭ ‬وبعثرة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

كانت‭ ‬سوريا‭ ‬مهدّدة‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬وحدتها‭ ‬الداخليّة‭ ‬ومكشوفةً‭ ‬لضغوطٍ‭ ‬إسرائيليّة‭ ‬وتدخّلات‭ ‬تركيّة،‭ ‬ومشروعات‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكريّة،‭ ‬أو‭ ‬غزو‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬يقوده‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬نوري‭ ‬السعيد،‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬بسياسة‭ ‬الأحلاف‭ ‬العسكريّة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

بحكم‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬لسوريا‭ ‬أن‭ ‬تنغلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ادّعاء،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مستقبل‭ ‬خارج‭ ‬عالمها‭ ‬العربي‭ ‬بأي‭ ‬ذريعة‭.‬

الخطر‭ ‬ماثل‭ ‬تحت‭ ‬الأبصار‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬غيبوبة

لم‭ ‬تكن‭ ‬مصادفة‭ ‬أنّ‭ ‬سوريا‭ ‬‭ ‬بالذات‭ ‬هي‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬احتضن‭ ‬الفكرة‭ ‬العروبيّة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬التّتريك‮»‬‭ ‬ونشأت‭ ‬فيه‭ ‬قبل‭ ‬غيره‭ ‬الحركات‭ ‬ذات‭ ‬التوجّه‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬بلاغة‭ ‬تعبير‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬بـ«قلب‭ ‬العروبة‭ ‬النابض‮»‬‭. ‬بحكم‭ ‬موضعها‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬فهي‭ ‬عاصمته‭ ‬الطبيعيّة‭. ‬وبحكم‭ ‬اتصال‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري‭ ‬بها‭ ‬فهي‭ ‬توأمته‭. ‬وبحكم‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العبريّة‭ ‬فهي‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬وجودي‭. ‬وبحكم‭ ‬امتداد‭ ‬ساحلها‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬المتوسّط‭ ‬فهي‭ ‬مركز‭ ‬استراتيجي‭. ‬وبحكم‭ ‬اتصالها‭ ‬بشبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربيّة‭ ‬حيث‭ ‬موارد‭ ‬النفط،‭ ‬فهي‭ ‬تحت‭ ‬بصر‭ ‬المصالح‭ ‬الغربيّة‭.‬

المصير‭ ‬السوري‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬وكل‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭ ‬يدرك‭ ‬ما‭ ‬حوله‭.‬

القضية‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬بشار‭ ‬الأسد‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬مصير‭ ‬نظامه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬وجود‭ ‬سوريا‭ ‬نفسها‭. ‬نقد‭ ‬السجل‭ ‬السّوري‭ ‬في‭ ‬الحريّات‭ ‬العامة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والدّعوة‭ ‬إلى‭ ‬مصالحة‭ ‬حقيقيّة‭ ‬على‭ ‬أُسُس‭ ‬ديموقراطيّة‭ ‬حديثة‭ ‬مشروع‭ ‬تمامًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬واجب‭ ‬المعارضة‭ ‬الوطنيّة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬استعداد‭ ‬جدّي‭ ‬يصدّ‭ ‬الخطر‭ ‬عن‭ ‬حلب،‭ ‬هذا‭ ‬إهمال‭ ‬جسيم‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يبرّر‭ ‬التجهيل‭ ‬بالنار‭ ‬الموقدة‭ ‬ومغزى‭ ‬توقيت‭ ‬إشعالها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬الجريحة‭.‬

كان‭ ‬اختيار‭ ‬يوم‭ ‬إعلان‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانيّة‭ ‬موعدًا‭ ‬لبدء‭ ‬اجتياح‭ ‬حلب‭ ‬مقصودًا‭ ‬لإشعال‭ ‬نيران‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الشّرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لأهداف‭ ‬أوسع‭ ‬وأخطر‭. ‬كان‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬إجباريًّا‭ ‬وهشًّا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬عينه‭.‬

إجباري‭ ‬بقدر‭ ‬الإنهاك‭ ‬الفادح،‭ ‬الذي‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وحاجته‭ ‬الماسّة‭ ‬إلى‭ ‬أسلحة‭ ‬وذخائر‭ ‬جديدة،‭ ‬باعتراف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭. ‬وهشّ‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬وثيقته‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬وإملاءات‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬طويلًا‭.‬

أرادت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تكسب‭ ‬بالتفاوض‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تحصده‭ ‬بالسلاح‭. ‬استهدفَت‭ ‬الوثيقة‭ ‬تفكيك‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وفرض‭ ‬قيودٍ‭ ‬مشدّدة‭ ‬تمنع‭ ‬إمداداته‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬السوريّة‭. ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬جوهري‭ ‬بين‭ ‬إخضاع‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬المقاومة‮»‬‭ ‬لصالح‭ ‬الدولة‭ ‬وبين‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة‭ ‬عليها،‭ ‬كأنّها‭ ‬محميّة‭ ‬إسرائيليّة‭ ‬يجوز‭ ‬اختراق‭ ‬أجوائها‭ ‬وارتكاب‭ ‬كل‭ ‬الجرائم‭ ‬والانتهاكات‭ ‬بذريعة‭ ‬‮«‬الدّفاع‭ ‬عن‭ ‬النّفس‮»‬‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬أحكمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬وحدودها‭ ‬فإنّ‭ ‬وجه‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬سوف‭ ‬يتغيّر‭.‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬‭ ‬بالضبط‭ ‬‭ ‬هو‭ ‬صلب‭ ‬ما‭ ‬قصده‭ ‬نتنياهو‭ ‬أمام‭ ‬الجمعيّة‭ ‬العامّة‭ ‬للأمم‭ ‬المتّحدة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬متكرّرة‭ ‬عن‭ ‬شرق‭ ‬أوسط‭ ‬جديد‭ ‬يستهدفه‭ ‬من‭ ‬حربَيْ‭ ‬غزّة‭ ‬ولبنان‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬يقول‭ ‬كلامًا‭ ‬شعبويًّا‭ ‬قبل‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬عندما‭ ‬حذّر‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬مغبّة‭ ‬تمرير‭ ‬السّلاح‭ ‬لـ«حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬أراضيه‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تلعب‭ ‬بالنّار‮»‬‭.‬

أخذت‭ ‬الاستعدادات‭ ‬التّركية‭ ‬وقتها‭ ‬تسليحًا‭ ‬بأحدث‭ ‬المسيّرات‭ ‬والصواريخ‭ ‬وحشدًا‭ ‬لقواتٍ‭ ‬من‭ ‬أطياف‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬وفق‭ ‬التصنيف‭ ‬الدولي‭ ‬لـ«هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشّام‮»‬،‭ ‬جبهة‭ ‬‮«‬النّصرة‮»‬‭ ‬سابقًا،‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬،‭ ‬وجماعات‭ ‬مسلّحة‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬الضّربة‭ ‬قويّة‭ ‬ومباغتة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنًا‭ ‬أن‭ ‬تُقْدِم‭ ‬أنقرة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إطلاع‭ ‬واشنطن‭ ‬عليها‭ ‬مسْبقًا،‭.‬

هكذا‭ ‬سقط‭ ‬‮«‬تحالف‭ ‬الضّرورة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ضمّ‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬مفضيًا‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬التّصعيد‭ ‬فوق‭ ‬الأراضي‭ ‬السوريّة‭. ‬وسقطت‭ ‬تفاهمات‭ ‬العاصمة‭ ‬الكازاخستانيّة‭ ‬آستانا،‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬لسنوات‭ ‬ممثّلين‭ ‬عن‭ ‬المعارضة‭ ‬والنّظام‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭.‬

حقبة‭ ‬دمويّة‭ ‬جديدة‭ ‬حساباتها‭ ‬مختلفة‭ ‬وأخطارها‭ ‬قد‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬سيناريوات‭ ‬تقسيم‭ ‬خرائط‭ ‬ومناطق‭ ‬نفوذ‭.‬

يُعزى‭ ‬الانقلاب‭ ‬التركي‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬المصالحة‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الأسد‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬قبل‭ ‬انسحاب‭ ‬كامل‭ ‬قواتها‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬السوريّة‭. ‬يُحسب‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬عليه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يتحسّب‭ ‬للظّروف‭ ‬القهريّة‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬حلفاءه،‭ ‬الروس‭ ‬والإيرانيّين‭ ‬و«حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وتضع‭ ‬حدودًا‭ ‬لأدوار‭ ‬المساندة‭ ‬الممكنة‭.‬

إنّنا‭ ‬أمام‭ ‬حقبة‭ ‬دمويّة‭ ‬جديدة،‭ ‬حساباتها‭ ‬مختلفة‭ ‬وأخطارها‭ ‬قد‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬سيناريوات‭ ‬تقسيم‭ ‬خرائط‭ ‬ومناطق‭ ‬نفوذ،‭ ‬أو‭ ‬صفقات‭ ‬غير‭ ‬مستبعدة‭ ‬يتقرّر‭ ‬بمقتضاها‭ ‬المصير‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬متنبّهًا،‭ ‬أو‭ ‬بوادر‭ ‬لعب‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬الحوادث‭ ‬المشتعلة‭ ‬بالنّيران‭.‬

أسوأ‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬باللحظة‭ ‬الحالية‭: ‬اختلاط‭ ‬الأوراق‭ ‬والتدليس‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬بما‭ ‬يلامس‭ ‬مسارح‭ ‬اللامعقول‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬مصري‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا