العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تأثير الكلمة بين الهدم والبناء

بقلم: د. سعد الله المحمدي

الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الكلامُ‭ ‬وسيلة‭ ‬أساسيّة‭ ‬لنقلِ‭ ‬المعلومات‭ ‬والمعارف،‭ ‬وتبادُلِ‭ ‬الخبرات‭ ‬والتّجارب،‭ ‬وهو‭ ‬عنصرٌ‭ ‬مهمّ‭ ‬للتفاهم‭ ‬والتواصل‭ ‬الإنساني،‭ ‬وله‭ ‬دورٌ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات،‭ ‬وتعزيزِ‭ ‬التواصل،‭ ‬وفهْم‭ ‬الآخرين،‭ ‬وللكلامِ‭ ‬لحنٌ‭ ‬يفهمه‭ ‬أصحابُ‭ ‬الذّوق‭ ‬السليم،‭ ‬وَرُبّ‭ ‬كلمةٍ‭ ‬حرّكت‭ ‬الهِمَم‭ ‬وأحْيت‭ ‬الأمم،‭ ‬وأوصلت‭ ‬إلى‭ ‬القِمَمِ،‭ (‬وبضدّها‭ ‬تتبين‭ ‬الأشياء‭).‬

والكلمة‭ ‬أمانة‭ ‬ومسؤولية‭ ‬ولها‭ ‬تأثيرها‭ ‬الإيجابي‭ ‬والسلبي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬فيمكن‭ ‬للكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدر‭ ‬قوّة‭ ‬وتحفيز‭ ‬وإبداع‭ ‬وإلهام،‭ ‬وأن‭ ‬ترفع‭ ‬المعنويات‭ ‬وتشجّع‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتذكي‭ ‬روح‭ ‬التنّافس‭ ‬فيهم،‭ ‬ويمكن‭ ‬للكلمة‭ ‬غير‭ ‬المدروسة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سبب‭ ‬ضعف‭ ‬وخمول،‭ ‬وانتكاسة‭ ‬وشقاء،‭ ‬وتحطيم‭ ‬النّفس،‭ ‬وهدم‭ ‬الصداقة،‭ ‬وتدمير‭ ‬الشخصية‭.‬

ولقد‭ ‬كرّمَ‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الإنسانَ‭ ‬وأفردَه‭ ‬بنِعْمةِ‭ ‬الكلامِ‭ ‬والبيانِ،‭ ‬فقال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬خَلَق‭ ‬الإنسان،‭ ‬علّمه‭ ‬البيان‮»‬‭ (‬الرحمن‭: ‬3‭-‬4‭) ‬أي‭: ‬علّمه‭ ‬النّطق‭ ‬والكلام،‭ ‬كما‭ ‬يقولُ‭ ‬ابن‭ ‬كثير،‭ ‬أو‭ ‬علّمه‭ ‬التعبير‭ ‬والإيضاح‭ ‬عمّا‭ ‬في‭ ‬ضميره،‭ ‬كما‭ ‬يقولُ‭ ‬الشيخ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬السعدي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وجعل‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الكلمة‭ ‬مسؤولية،‭ ‬وحثّ‭ ‬على‭ ‬ضبطها،‭ ‬وحذّر‭ ‬من‭ (‬حصائد‭ ‬الألسن‭).‬

وفي‭ ‬عصرنا‭ ‬الراهن‭ ‬كثُر‭ ‬كلامُ‭ ‬الناس‭ ‬وخوضهم‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة؛‭ ‬إذ‭ ‬أصبحَ‭ ‬مِنَ‭ ‬التفاخر‭ ‬والتباهي‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬وحشر‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬ولو‭ ‬مِنْ‭ ‬دون‭ ‬علمٍ،‭ ‬ومعرفةٍ،‭ ‬وَفهْم،‭ ‬وبصيرة،‭ ‬وربما‭ ‬للحرص‭ ‬على‭ ‬الشهرة‭ ‬والأضواء‭ ‬الوهمية،‭ ‬وأن‭ ‬يُشار‭ ‬إليهم‭ ‬بالبنَان،‭ ‬وتُطرح‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم،‭ ‬على‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭.‬

والمتابعُ‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يدرك‭ ‬خطورة‭ ‬الكلام‭ ‬وانتشاره‭ ‬بشكلٍ‭ ‬هائل‭ ‬فترى‭ ‬أطفالا‭ ‬وشبابا‭ ‬يتحدّثون‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كبيرةٍ‭ ‬ومسائلَ‭ ‬عظيمة‭ ‬يعجزُ‭ ‬عن‭ ‬إدلاء‭ ‬الرأي‭ ‬فيها‭ ‬أهلُ‭ ‬الفكر‭ ‬والنظر،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الدراية‭ ‬والاختصاص‭ ‬الذين‭ ‬أفنوا‭ ‬أعمارهم‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬

ووصلت‭ ‬الجرأة‭ ‬والتسرّع‭ ‬بالبعض‭ ‬أنّه‭ ‬يتكلّم‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬والقضايا‭ ‬المصيرية‭ ‬للأمّة‭ ‬دون‭ ‬رادعٍ‭ ‬أو‭ ‬وازعٍ،‭ ‬ويفسّرها‭ ‬بحسب‭ ‬تفكيره‭ ‬وهواه،‭ ‬فيُسهم‭ ‬في‭ ‬إفساد‭ ‬الذّوق،‭ ‬وَهدْم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ونُصرة‭ ‬الباطل،‭ ‬وتعزيز‭ ‬السلبيات‭ (‬وَيَمْكُرُونَ‭ ‬وَيَمْكُرُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬خَيْرُ‭ ‬الْمَاكِرِينَ‭) (‬الأنفال‭:‬30‭ ). ‬

شمعة‭ ‬أخيرة‭:‬

تزداد‭ ‬مسؤولية‭ ‬حملة‭ ‬العلم‭ ‬وأصحاب‭ ‬الرسالة‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬كلماتهم،‭ ‬وانتقائها‭ ‬بعناية؛‭ ‬حتى‭ ‬تزرع‭ ‬الأمل‭ ‬والطمأنينة،‭ ‬والقيم‭ ‬والأخلاق،‭ ‬والعفاف‭ ‬والمروءة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وحتى‭ ‬تَبْني‭ ‬ولا‭ ‬تَهدم،‭ ‬وَتَجمع‭ ‬ولا‭ ‬تُفرّق،‭ ‬وتُسعد‭ ‬ولا‭ ‬تُحْزن،‭ ‬وتكون‭ ‬بلسما‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬الآخرين،‭ ‬وطاقة‭ ‬إيجابيّة‭ ‬يشعّ‭ ‬منها‭ ‬معاني‭ ‬الخير‭ ‬والصلاح،‭ ‬والهدى‭ ‬والنور،‭ ‬والدعم‭ ‬والإلهام،‭ ‬والتربية‭ ‬والتهذيب،‭ ‬والتحفيز‭ ‬وبناء‭ ‬الأجيال‭ (‬فَأَمَّا‭ ‬الزَّبَدُ‭ ‬فَيَذْهَبُ‭ ‬جُفَاءً‭ ‬وَأَمَّا‭ ‬مَا‭ ‬يَنفَعُ‭ ‬النَّاسَ‭ ‬فَيَمْكُثُ‭ ‬فِي‭ ‬الْأَرْضِ‭) (‬الرعد‭: ‬17‭).‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا