العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. دعوة إلى الناس كافة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

الإسلام‭ ‬دعوة‭ ‬عامة‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬كافة،‭ ‬فالإنسانية‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الإسلام‭ ‬قاسم‭ ‬مشترك‭ ‬ولها‭ ‬حظ‭ ‬موفور‭ ‬في‭ ‬تشريعات‭ ‬الإسلام،‭ ‬ويؤكد‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬آياته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لإنكارها،‭ ‬أو‭ ‬التشكيك‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وإذ‭ ‬ابتلى‭ ‬إبراهيم‭ ‬ربه‭ ‬بكلمات‭ ‬فأتمهن‭ ‬قال‭ ‬إني‭ ‬جاعلك‭ ‬للناس‭ ‬إمامًا‭ ‬قال‭ ‬ومن‭ ‬ذريتي‭ ‬قال‭ ‬لا‭ ‬ينال‭ ‬عهدي‭ ‬الظالمين‭) ‬البقرة‭ / ‬124‭.‬

ولقد‭ ‬تعلم‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬إبراهيم‭ ‬درسًا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عطاء‭ ‬خاصا‭ ‬بالربوبية،‭ ‬وعطاء‭ ‬خاصا‭ ‬بالألوهية،‭ ‬فالقرآن‭ ‬حين‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الرزق‭ ‬يقول‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬إبراهيم‭ ‬رب‭ ‬اجعل‭ ‬هذا‭ ‬بلدًا‭ ‬آمنًا‭ ‬وارزق‭ ‬أهله‭ ‬من‭ ‬الثمرات‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬منهم‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬قال‭ ‬ومن‭ ‬كفر‭ ‬فأمتعه‭ ‬قليلًا‭ ‬ثم‭ ‬أضطره‭ ‬إلى‭ ‬عذاب‭ ‬النار‭ ‬وبئس‭ ‬المصير‭) ‬البقرة‭/ ‬126‭. ‬فصحح‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لإبراهيم‭ ‬قوله‭ ‬إن‭ ‬الرزق‭ ‬هو‭ ‬عطاء‭ ‬الربوبية‭ ‬وفيه‭ ‬يستوي‭ ‬المؤمن‭ ‬والكافر،‭ ‬وأما‭ ‬عطاء‭ ‬الألوهية‭ ‬فهو‭ ‬خاص‭ ‬بمن‭ ‬آمن‭.‬

الله‭ ‬تعالى‭ ‬لكونه‭ ‬رب‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬عباده،‭ ‬فهو‭ ‬يرزقهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬فمن‭ ‬أسلم‭ ‬منهم‭ ‬وآمن‭ ‬صار‭ ‬محلًا‭ ‬لعطاء‭ ‬الألوهية،‭ ‬ومن‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬كفره‭ ‬وعناده‭ ‬نال‭ ‬حظه‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬الربوبية‭ ‬وحُرم‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬الألوهية‭ ‬وهذا‭ ‬حق‭.‬

إذًا،‭ ‬فنستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬ودون‭ ‬أدنى‭ ‬حرج‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عطاء‭ ‬الإسلام‭ ‬للبشرية‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تشريعاته‭ ‬وقوانينه،‭ ‬وأيضًا‭ ‬نواميسه‭ ‬التي‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا،‭ ‬فهم‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الانتفاع‭ ‬بالهواء‭ ‬والماء‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬ألسنتهم‭ ‬وأجناسهم‭ ‬ومللهم‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬جعل‭ ‬للمؤلفة‭ ‬قلوبهم‭ ‬نصيبًا‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الزكاة‭ ‬وذلك‭ ‬بنص‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬إنما‭ ‬الصدقات‭ ‬للفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬والعاملين‭ ‬عليها‭ ‬والمؤلفة‭ ‬قلوبهم‭ ‬وفي‭ ‬الرقاب‭ ‬والغارمين‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬وابن‭ ‬السبيل‭ ‬فريضة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬عليم‭ ‬حكيم‭) (‬التوبة‭ / ‬60‭) ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬حين‭ ‬علق‭ ‬الحكم‭ ‬الشرعي‭ ‬حين‭ ‬انتفت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأليف‭ ‬قلوب‭ ‬هؤلاء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قويت‭ ‬شوكة‭ ‬الإسلام‭ ‬لكنه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬علق‭ ‬الحكم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬نصيب‭ ‬فك‭ ‬الرقاب‭ ‬وهو‭ ‬تحرير‭ ‬العبيد،‭ ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬التي‭ ‬اجتهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬فيها‭ ‬مثل‭: ‬وقف‭ ‬حد‭ ‬السرقة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬الرمادة‭ ‬لوجود‭ ‬شبهة‭ ‬أن‭ ‬السارق‭ ‬يسرق‭ ‬ليأكل‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السرقة‭ ‬ذاتها‭.‬

ومن‭ ‬عطاءات‭ ‬الإسلام‭ ‬التي‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬المؤمن‭ ‬وغير‭ ‬المؤمن‭ ‬الأمن‭ ‬الذي‭ ‬يوفره‭ ‬الإسلام‭ ‬لمن‭ ‬يستظلون‭ ‬بظله،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬المواطنة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬البشرية‭ ‬إليه‭ ‬حديثًا‭.‬

ولقد‭ ‬أقر‭ ‬الإسلام‭ ‬لأهل‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى‭ ‬بأن‭ ‬يتحاكموا‭ ‬إلى‭ ‬شرائعهم‭ ‬ولا‭ ‬يلزمون‭ ‬بشرائع‭ ‬الإسلام‭ ‬إلا‭ ‬إذًا‭ ‬شاءوا‭ ‬ذلك،‭ ‬وطابت‭ ‬به‭ ‬نفوسهم،‭ ‬كما‭ ‬وفر‭ ‬الإسلام‭ ‬لأهل‭ ‬النحل‭ ‬الأخرى‭ ‬الحماية‭ ‬الكاملة‭ ‬لدور‭ ‬عباداتهم،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬أُذِنَ‭ ‬للذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬بأنهم‭ ‬ظلموا‭ ‬وإن‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬نصرهم‭ ‬لقدير‭ (‬39‭) ‬الذين‭ ‬أخرجوا‭ ‬من‭ ‬ديارهم‭ ‬بغير‭ ‬حق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬ربنا‭ ‬الله‭ ‬ولولا‭ ‬دفع‭ ‬الله‭ ‬الناس‭ ‬بعضهم‭ ‬ببعض‭ ‬لهدمت‭ ‬صوامع‭ ‬وبيع‭ ‬وصلوات‭ ‬ومساجد‭ ‬يذكر‭ ‬فيها‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬كثيرًا‭ ‬ولينصرن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ينصره‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لقوي‭ ‬عزيز‭ (‬40‭) ‬الذين‭ ‬إن‭ ‬مكناهم‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬أقاموا‭ ‬الصلاة‭ ‬وآتوا‭ ‬الزكاة‭ ‬وأمروا‭ ‬بالمعروف‭ ‬ونهوا‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬ولله‭ ‬عاقبة‭ ‬الأمور‭ (‬41‭)) (‬سورة‭ ‬الحج‭).‬

وعندما‭ ‬فتحت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬أمَّن‭ ‬الإسلام‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬وجاء‭ ‬بالمنفيين‭ ‬من‭ ‬الصحاري‭ ‬التي‭ ‬هربوا‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬الرومان،‭ ‬وأعادوهم‭ ‬إلى‭ ‬كنائسهم،‭ ‬ودور‭ ‬عبادتهم،‭ ‬ولقد‭ ‬سجل‭ ‬التاريخ‭ ‬الصادق‭ ‬بحروف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬قضايا‭ ‬رفعها‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الأقباط‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬وكيف‭ ‬نصرهم‭ ‬الإسلام،‭ ‬ورد‭ ‬إليهم‭ ‬حقوقهم،‭ ‬ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرأة‭ ‬القبطية‭ ‬التي‭ ‬أخذ‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬بيتها‭ ‬غصبًا‭ ‬ليوسع‭ ‬به‭ ‬مسجده‭ ‬عندما‭ ‬ضاق‭ ‬المسجد‭ ‬بالمصلين،‭ ‬فرفعت‭ ‬قضيتها‭ ‬إلى‭ ‬الفاروق‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬فأنصفها‭ ‬وتوعد‭ ‬واليه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مثلها‭.‬

وقصة‭ ‬الشاب‭ ‬القبطي‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬ابن‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬في‭ ‬السباق،‭ ‬فعلاه‭ ‬بالسوط‭ ‬وكان‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يضربه‭: ‬أتسبق‭ ‬ابن‭ ‬الأكرمين،‭ ‬فاقتص‭ ‬منه‭ ‬عمر‭ ‬لصالح‭ ‬القبطي‭: ‬وقال‭ ‬له‭ ‬اضرب‭ ‬ابن‭ ‬الأكرمين‭! ‬ثم‭ ‬أطلقها‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬سمع‭ ‬الدنيا‭ ‬مدوية‭ ‬‮«‬يا‭ ‬عمرو،‭ ‬متى‭ ‬استعبدتم‭ ‬الناس‭ ‬وقد‭ ‬ولدتهم‭ ‬أمهاتهم‭ ‬أحرارا»؟‭!‬

وهكذا‭ ‬وفر‭ ‬الإسلام‭ ‬الحماية‭ ‬والأمن‭ ‬لأهل‭ ‬الديانات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وحافظ‭ ‬على‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وشدد‭ ‬النكير‭ ‬على‭ ‬ولاته‭ ‬في‭ ‬الأمصار،‭ ‬وحذرهم‭ ‬أشد‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬مناصبهم‭ ‬لمصالحهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬ولقد‭ ‬ذكر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬إجلال‭ ‬وتقدير‭ ‬كيف‭ ‬تحقق‭ ‬لغير‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رعاية‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولقد‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬المنصفون‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الغرب‭ ‬ومفكريه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا