العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جيران من ذهب.. مجتمع يحتضن أصحاب الهمم

بقلم: نبيلة رجب

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

هناك‭ ‬مشاهد‭ ‬تبقى‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬الذاكرة،‭ ‬كأسر‭ ‬ترافق‭ ‬أبناءها‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحدائق‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬التسوق،‭ ‬استوقفني‭ ‬مشهد‭ ‬أم‭ ‬تحتضن‭ ‬ابنتها‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬وتطبع‭ ‬قبلة‭ ‬على‭ ‬جبينها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬كرسيها‭ ‬نحو‭ ‬المطعم‭ ‬المفضل‭ ‬لديهما‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مجمعاتنا‭ ‬التجارية‭. ‬

كانت‭ ‬الابتسامة‭ ‬تشع‭ ‬من‭ ‬وجهها،‭ ‬وكأنها‭ ‬تقول‭ ‬للعالم‭: ‬‮«‬رغم‭ ‬التحديات،‭ ‬وجودهم‭ ‬هو‭ ‬النعمة‭ ‬التي‭ ‬تمنح‭ ‬لحياتنا‭ ‬معنى‭ ‬أسمى‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬ترسم‭ ‬صورة‭ ‬مجتمع‭ ‬يحتضن‭ ‬أفراده،‭ ‬وتطرح‭ ‬سؤالا‭ ‬مهما‭: ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬نسهم‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬جزءًا‭ ‬طبيعيا‭ ‬من‭ ‬ثقافتنا‭ ‬اليومية؟‭ ‬كيف‭ ‬نخلق‭ ‬بيئة‭ ‬يستطيع‭ ‬فيها‭ ‬الجميع،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ظروفهم،‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬دون‭ ‬عوائق‭ ‬أو‭ ‬استثناءات؟

في‭ ‬البحرين،‭ ‬بفضل‭ ‬الله،‭ ‬هناك‭ ‬خطوات‭ ‬جادة‭ ‬لتحسين‭ ‬حياة‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭. ‬الجهود‭ ‬تشمل‭ ‬تطوير‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬لتكون‭ ‬أكثر‭ ‬سهولة‭ ‬للوصول،‭ ‬وتوفير‭ ‬خدمات‭ ‬تعليمية‭ ‬وصحية‭ ‬تناسب‭ ‬احتياجاتهم‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬تغفل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرات‭ ‬لتعزيز‭ ‬دورها‭ ‬وتمكينها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬المتكاملة،‭ ‬التي‭ ‬تحميها‭ ‬التشريعات،‭ ‬تعكس‭ ‬التزام‭ ‬المملكة‭ ‬بخلق‭ ‬بيئة‭ ‬تتيح‭ ‬للجميع‭ ‬فرصا‭ ‬متساوية‭ ‬للحياة‭ ‬والمشاركة‭.‬

وتشهد‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬نماذج‭ ‬ملهمة‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الهمم‭ ‬الذين‭ ‬يتخطون‭ ‬التحديات‭ ‬بإرادة‭ ‬قوية،‭ ‬كالشاب‭ ‬القطري‭ ‬المؤثر‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المصاب‭ ‬بمتلازمة‭ ‬التراجع‭ ‬الذيلي،‭ ‬غانم‭ ‬المفتاح،‭ ‬الذي‭ ‬يلهم‭ ‬الآلاف‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬بإيجابياته‭ ‬وإصراره‭ ‬على‭ ‬النجاح‭.‬

وفي‭ ‬البحرين،‭ ‬نرى‭ ‬نماذج‭ ‬مشرفة‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركات‭ ‬اللجنة‭ ‬البارالمبية‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬المسابقات‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬إذ‭ ‬يثبت‭ ‬الرياضيون‭ ‬البحرينيون‭ ‬أن‭ ‬الإرادة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تحدٍ‭. ‬كما‭ ‬نشهد‭ ‬نجاحات‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬المؤسسي،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬التمكين‭ ‬المجتمعي‭ ‬يفتح‭ ‬آفاقا‭ ‬واسعة‭ ‬للإبداع‭ ‬والتميز‭.‬

تظهر‭ ‬قيمة‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬عند‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭. ‬تقول‭ ‬أم‭ ‬محمد،‭ ‬والدة‭ ‬طفل‭ ‬مصاب‭ ‬بمتلازمة‭ ‬داون،‭ ‬إن‭ ‬تعاون‭ ‬المدرسة‭ ‬مع‭ ‬ابنها‭ ‬كان‭ ‬مصدرًا‭ ‬للطمأنينة،‭ ‬حيث‭ ‬ساعده‭ ‬الدعم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬اجتماعي‭ ‬ودراسي‭ ‬مميز‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬تصبح‭ ‬ذات‭ ‬معنى‭ ‬حقيقي‭ ‬عندما‭ ‬تلامس‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭.‬

التجارب‭ ‬العالمية‭ ‬تقدم‭ ‬دروسا‭ ‬ملهمة‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭. ‬في‭ ‬سنغافورة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تستخدم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الذكية‭ ‬لتسهيل‭ ‬حياة‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬عبر‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وتطبيقات‭ ‬الهواتف‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬المكفوفين‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬في‭ ‬التنقل‭. ‬في‭ ‬السويد‭ ‬والدنمارك،‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬التصميم‭ ‬الشامل‮»‬‭ ‬معيارًا‭ ‬أساسيا‭ ‬عند‭ ‬إنشاء‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬بحيث‭ ‬تصمم‭ ‬المرافق‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬لتناسب‭ ‬الجميع،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعديلات‭ ‬لاحقة‭. ‬وفي‭ ‬اليابان،‭ ‬يعتبر‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬نموذجا‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬إذ‭ ‬تضم‭ ‬المحطات‭ ‬موظفين‭ ‬مدربين‭ ‬لتقديم‭ ‬المساعدة،‭ ‬مع‭ ‬تصميم‭ ‬القطارات‭ ‬لتسهيل‭ ‬استخدامها‭.‬

هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬تلهمنا‭ ‬بأفكار‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬محليا،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تعزيز‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لتسهيل‭ ‬التنقل،‭ ‬أو‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬تصميم‭ ‬المرافق‭ ‬لتكون‭ ‬ميسرة‭ ‬للجميع‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تقوية‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الصم‭ ‬والبكم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬ضمن‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدرسية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجعلها‭ ‬جزءًا‭ ‬طبيعيا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬قيمنا‭ ‬البحرينية‭ ‬الأصيلة‭ ‬وروحنا‭ ‬المجتمعية‭ ‬الدافئة‭.‬

‭ ‬فما‭ ‬رأيكم‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬جيران‭ ‬من‭ ‬ذهب»؟‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬ملهمة‭ ‬مجتمعيا،‭ ‬حيث‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬كل‭ ‬‮«‬حي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬التكاتف‭ ‬والاحتضان‭. ‬تخيلوا‭ ‬أحياءً‭ ‬يتكاتف‭ ‬فيها‭ ‬الجيران‭ ‬لدعم‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬المساندة‭ ‬اليومية‭ ‬أو‭ ‬إشراكهم‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬المجتمعية‭. ‬

يمكن‭ ‬تنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭ ‬مسابقات‭ ‬رياضية‭ ‬مصغرة،‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬ترفيهية‭ ‬وتعليمية،‭ ‬أو‭ ‬تجمعات‭ ‬ثقافية‭ ‬تدمج‭ ‬الجميع‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬استثمار‭ ‬المناسبات‭ ‬الوطنية،‭ ‬مثل‭ ‬احتفالات‭ ‬الأعياد‭ ‬والعيد‭ ‬الوطني،‭ ‬لتنظيم‭ ‬فعاليات‭ ‬تعكس‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬والقبول‭.‬

وتتحول‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬نظرة‭ ‬أكثر‭ ‬نضجا،‭ ‬عندما‭ ‬يكتشف‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬العام‭ ‬يمنح‭ ‬الجميع‭ ‬فرصة‭ ‬فريدة‭ ‬لتطوير‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬والتعاطف‭. ‬فالطفل‭ ‬يتعلم‭ ‬مبكراً‭ ‬معنى‭ ‬التنوع‭ ‬وقبول‭ ‬الاختلاف،‭ ‬والبالغ‭ ‬يكتسب‭ ‬رؤية‭ ‬موسعة‭ ‬للحياة،‭ ‬والموظف‭ ‬يطور‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬الشخصيات‭. ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬يشجع‭ ‬الأسر‭ ‬على‭ ‬اصطحاب‭ ‬أبنائهم‭ ‬بثقة‭ ‬إلى‭ ‬الحدائق‭ ‬والأماكن‭ ‬الترفيهية،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬حلقة‭ ‬متصلة‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المثمر‭.‬

فلم‭ ‬تعد‭ ‬المسألة‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬أو‭ ‬تسهيلات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬رحلة‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬يكتشف‭ ‬في‭ ‬تنوع‭ ‬أفراده‭ ‬ثراءً‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له‭. ‬المقهى‭ ‬الذي‭ ‬يوظف‭ ‬شابا‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقة‭ ‬يبرهن‭ ‬أن‭ ‬العطاء‭ ‬قوة‭ ‬تدفع‭ ‬عجلة‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬والمدرسة‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬الجميع‭ ‬تصنع‭ ‬جيلا‭ ‬أكثر‭ ‬وعيا‭ ‬وتسامحا،‭ ‬والنادي‭ ‬الرياضي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬مؤهلا‭ ‬ويفتح‭ ‬أبوابه‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ‬يحول‭ ‬الأحلام‭ ‬إلى‭ ‬إنجازات‭ ‬ملموسة‭. ‬

هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬ليست‭ ‬لقطات‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دلائل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬يؤمن‭ ‬بقدرات‭ ‬أفراده،‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬هو‭ ‬المجتمع‭ ‬المتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬الحقيقي‭. ‬طريقنا‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬من‭ ‬إيماننا‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬فرد،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قدراته،‭ ‬يملك‭ ‬دورًا‭ ‬فريدا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا