العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

ورطة أخلاقية

مؤخرا‭ ‬توقفت‭ ‬كثيرا‭ ‬عند‭ ‬مقال‭ ‬لأحد‭ ‬الكتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬وذنب‭ ‬غير‭ ‬مغفور‮»‬‭ ‬تطرق‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬وفدوا‭ ‬لأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬رحلة‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬ذنوب‭ ‬الدنيا‭ ‬التي‭ ‬اقترفوها‭ ‬والمظالم‭ ‬التي‭ ‬ارتكبوها،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بالحج‭ ‬وحده‭ ‬تقبل‭ ‬التوبة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تعاد‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها،‭ ‬وأن‭ ‬تتبدل‭ ‬أحوال‭ ‬وأخلاق‭ ‬الحاج،‭ ‬ولا‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭.‬

بالفعل‭ ‬ليس‭ ‬بالحج‭ ‬وحده‭ ‬يؤجر‭ ‬الإنسان،‭ ‬بل‭ ‬بعمله‭ ‬وبأخلاقه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬أمين‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الأخلاق‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أهمية‭ ‬عدم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأخلاق‭ ‬كمقولة‭ ‬نظرية‭ ‬تتداولها‭ ‬ألسنة‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬وتحلق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬برج‭ ‬عاجي،‭ ‬بحيث‭ ‬تظل‭ ‬حبيسة‭ ‬جدران‭ ‬الكتب،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬اعتبارها‭ ‬ممارسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬حية‭ ‬تتحقق‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاش،‭ ‬ونتلمس‭ ‬أثرها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬معاملاتنا‭ ‬الحياتية‭.‬

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وكيفية‭ ‬تعريف‭ ‬الأفعال،‭ ‬حيث‭ ‬توصل‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬واختيار،‭ ‬ويعلم‭ ‬صاحبها‭ ‬وقت‭ ‬عملها‭ ‬ماذا‭ ‬يعمل،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬خارج‭ ‬الإرادة،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تجنب‭ ‬وقوعها‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬مريدا‭ ‬مختارا‭.‬

وأضاف‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬الأخلاق‭ ‬تمنح‭ ‬الفرد‭ ‬إمكانية‭ ‬اختيار‭ ‬السلوك‭ ‬الصادر‭ ‬عنه‭ ‬وتحديد‭ ‬شكله،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تشكيل‭ ‬شخصيته،‭ ‬وتحديد‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الانهيار،‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬ازدهار‭ ‬الإنسان،‭ ‬وضبط‭ ‬شهواته‭ ‬وهواه‭ ‬ومطامع‭ ‬نفسه،‭ ‬والسمو‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬رفيعة‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭.‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الراقين‭ ‬أخلاقا‭ ‬اليوم‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬معاناة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬وشخصيا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تراجعت‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬السامية،‭ ‬وبرزت‭ ‬فيه‭ ‬أزمة‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الورطة‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬طفرة‭ ‬علمية‭ ‬فاقت‭ ‬الاستيعاب‭ ‬والخيال‭ ‬تجاهلنا‭ ‬معها‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والأخلاق‭ ‬علاقة‭ ‬تكاملية،‭ ‬فلا‭ ‬أثر‭ ‬طيب‭ ‬للعلم‭ ‬بدون‭ ‬الأخلاق،‭ ‬ولا‭ ‬أخلاق‭ ‬صحيحة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬علم‭ ‬يبصر‭ ‬ويرشد‭. ‬

يقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭:‬

‮«‬إذا‭ ‬فقدت‭ ‬المال‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬شيئا‭.. ‬وإذا‭ ‬فقدت‭ ‬الصحة‭ ‬فقدت‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭.. ‬وإذا‭ ‬فقدت‭ ‬الأخلاق‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭!‬

نعم‭.. ‬لا‭ ‬بقاء‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الأخلاق‭!! ‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا