العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

اختلاف البنوك المركزية العالمية والانعكاسات على دول الخليج

بقلم: م. إسماعيل الصراف {

الأحد ٠٩ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

مع‭ ‬تطور‭ ‬المشهد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬من‭ ‬المواضيع‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬ستظهر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬هو‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬بين‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى‭. ‬بدأ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي‭ (‬ECB‭)‬،‭ ‬وبنك‭ ‬كندا‭ (‬BoC‭)‬،‭ ‬والبنك‭ ‬الوطني‭ ‬السويسري‭ (‬SNB‭) ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬استجابة‭ ‬لتباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وانخفاض‭ ‬التضخم‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انتظار،‭ ‬ويواجه‭ ‬بيانات‭ ‬اقتصادية‭ ‬قوية‭ ‬وضغوط‭ ‬تضخمية‭ ‬مستمرة‭. ‬ويطرح‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬تحديات‭ ‬وفرصًا‭ ‬فريدة‭ ‬للبنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬ارتباطًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربط‭ ‬العملات‭.‬

وقد‭ ‬قام‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي‭ ‬وبنك‭ ‬كندا‭ ‬والبنك‭ ‬المركزي‭ ‬السويسري‭ ‬مؤخراً‭ ‬بتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لتحفيز‭ ‬اقتصاداتها،‭ ‬معترفين‭ ‬بتباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬والتضخم‭. ‬وتتبنى‭ ‬هذه‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬موقفا‭ ‬تيسيريا‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ودرء‭ ‬الركود‭ ‬المحتمل‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قام‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي‭ ‬بتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬تباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬اليورو،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تهدف‭ ‬تخفيضات‭ ‬بنك‭ ‬كندا‭ ‬إلى‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬ضعف‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكندي‭.‬

وفي‭ ‬تناقض‭ ‬صارخ،‭ ‬يحافظ‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬ثباته،‭ ‬متأثرًا‭ ‬بالمؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القوية‭. ‬يواصل‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الأمريكي‭ ‬إظهار‭ ‬القوة،‭ ‬مع‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬قوية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬التضخم‭ ‬ثابتًا‭ ‬ومرتفعًا،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬باستمرار‭ ‬هدف‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬البالغ‭ ‬2%‭. ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬التكهنات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬سيختار‭ ‬تخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬المتزايدة‭.‬

وتربط‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عملاتها‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي،‭ ‬مع‭ ‬ربط‭ ‬الكويت‭ ‬بسلة‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬المثقلة‭ ‬بشدة‭ ‬بالدولار‭. ‬لقد‭ ‬وفر‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬تاريخيا‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ولكنه‭ ‬يعني‭ ‬أيضاً‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مواءمة‭ ‬سياساتها‭ ‬النقدية‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬العملة‭ ‬وتجنب‭ ‬هجمات‭ ‬المضاربة‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬الحالي‭ ‬للاحتياطي‭ ‬الفيدرالي،‭ ‬تواجه‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬سيناريو‭ ‬معقدًا‭: ‬1‭) ‬سياسات‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭: ‬مع‭ ‬تعليق‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تحافظ‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬العملة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التوافق‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭. ‬وبينما‭ ‬يتم‭ ‬احتواء‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬حاليا‭ ‬عند‭ ‬مستويات‭ ‬صحية،‭ ‬فإن‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الاقتراض‭ ‬وتباطؤ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬2‭) ‬إدارة‭ ‬التضخم‭: ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬يتم‭ ‬احتواء‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬عوامل‭ ‬مثل‭ ‬الإعانات،‭ ‬ومراقبة‭ ‬الأسعار،‭ ‬وانخفاض‭ ‬ضغوط‭ ‬الطلب‭ ‬المحلي‭. ‬3‭) ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنويع‭: ‬يؤكد‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬العالمية‭ ‬على‭ ‬حاجة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬جهود‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬تقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬وتطوير‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬تأثير‭ ‬الصدمات‭ ‬النقدية‭ ‬الخارجية‭. ‬وستكون‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬البشري‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬النمو‭ ‬المستدام‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬تقلبات‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والسياسات‭ ‬النقدية‭ ‬العالمية‭.‬

وللتغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬المعقدة،‭ ‬يمكن‭ ‬للبنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬إجراءات‭ ‬استراتيجية‭: ‬1‭) ‬تنسيق‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭: ‬تنسيق‭ ‬أوثق‭ ‬مع‭ ‬بنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬لمواءمة‭ ‬سياسات‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭. ‬وقد‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬حوارات‭ ‬واتفاقات‭ ‬لضمان‭ ‬انتقال‭ ‬السياسات‭ ‬بشكل‭ ‬سلس‭ ‬واستقرارها‭. ‬2‭) ‬تعزيز‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭: ‬تعزيز‭ ‬الأنظمة‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتدفقات‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬3‭) ‬تعزيز‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭: ‬دعم‭ ‬المبادرات‭ ‬الحكومية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لبناء‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصدمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخارجية‭. ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬تعزيز‭ ‬بيئة‭ ‬مواتية‭ ‬لنمو‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والابتكار‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬فإن‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬يشكل‭ ‬آثارا‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬ربط‭ ‬العملة‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬يوفر‭ ‬الاستقرار،‭ ‬فإنه‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضا‭ ‬معايرة‭ ‬دقيقة‭ ‬للسياسات‭ ‬النقدية‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭ ‬والضغوط‭ ‬الخارجية‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬اعتماد‭ ‬نهج‭ ‬استباقي‭ ‬واستراتيجي،‭ ‬تستطيع‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬ودعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

 

{ عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬جمعية‭ ‬الإداريين‭ ‬البحرينية

ماجستير‭ ‬تنفيذي‭ ‬بالإدارة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ (‬EMBA‭)‬

عضو‭ ‬بمعهد‭ ‬المهندسين‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬البريطانية‭ (‬MIET‭)‬

عضو‭ ‬بجمعية‭ ‬المهندسين‭ ‬البحرينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا