العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

هل هذا الجيل أناني؟

جلس‭ ‬أمامي‭ ‬سرحانا،‭ ‬ثم‭ ‬تنهد‭ ‬تنهيدة‭ ‬طويلة‭ ‬وقال‭: ‬اكتشفت‭ ‬انني‭ ‬كالثور‭ ‬في‭ ‬الساقية،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ (‬أنا‭) ‬سعادتي‭ ‬أو‭ ‬راحتي‭ ‬النفسية‭ ‬والبدنية‭. ‬

نظر‭ ‬إلي‭ ‬وأضاف‭: ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬أبنائي‭ ‬يستغلون‭ ‬عشقي‭ ‬وارتباطي‭ ‬مع‭ ‬احفادي‭ ‬لكي‭ ‬أكون‭ ‬السائق‭ ‬الخاص‭ ‬لأبنائهم‭ ‬والمخلص‭ ‬لأشغالهم‭ ‬ونسوا‭ ‬أنني‭ ‬وأمهم‭ ‬تعبنا‭ ‬وربينا‭ ‬وعملنا‭ ‬كل‭ ‬جهدنا‭ ‬حتى‭ ‬استقل‭ ‬الأبناء‭ ‬وبنوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬عائلة‭ ‬خاصة‭.‬

شعرت‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬يتحدث‭ ‬بحرقة‭ ‬وألم‭ ‬ممزوج‭ ‬بحب،‭ ‬لذلك‭ ‬تركته‭ ‬يتحدث‭ ‬على‭ ‬راحته‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬اقاطعه،‭ ‬قال‭: ‬اعترف‭ ‬بأن‭ ‬حبي‭ ‬الشديد‭ ‬لأحفادي‭ ‬جعلني‭ ‬لا‭ ‬أرفض‭ ‬أي‭ ‬طلب‭ ‬لأبنائي‭ ‬الذين‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انهم‭ ‬ميسورو‭ ‬الحال‭ ‬ويستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يوفروا‭ ‬سائقا‭ ‬لأبنائهم‭ ‬فإنهم‭ ‬استغلوا‭ ‬خوفي‭ ‬وحبي‭ ‬الشديد‭ ‬لأحفادي‭ ‬ليجعلوني‭ ‬السائق‭ ‬الخاص‭ ‬لأبنائهم،‭ ‬لم‭ ‬امانع‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أستطيع‭ ‬وأرغب‭ ‬حيث‭ ‬إنني‭ ‬متقاعد‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬ولكن‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مرهقا‭ ‬مع‭ ‬السنين،‭ ‬لذلك‭ ‬عندما‭ ‬لمحت‭ ‬لأبنائي‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ (‬يشيلوني‭ ‬في‭ ‬كبري‭ ‬ويعتنون‭ ‬بي‭ ‬كما‭ ‬اعتنيت‭ ‬بهم‭ ‬وهم‭ ‬صغار‭) ‬شعرت‭ ‬بأنهم‭ ‬زعلوا‭ ‬واستنكروا‭ ‬وقالوا‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬كسرت‭ ‬ظهري‭ (‬اشعندك‭ ‬انت‭ ‬متفرغ‭ ‬لا‭ ‬شغلة‭ ‬ولا‭ ‬مشغلة‭)! ‬

نظر‭ ‬إلي‭ ‬الرجل‭ ‬بكل‭ ‬حرقة‭ ‬وقال‭: ‬أليست‭ ‬لدي‭ ‬حياة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬استمتع‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬والمجهود‭ ‬لتوفير‭ ‬كافة‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة‭ ‬لهم؟‭ ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الوقت‭ ‬لكي‭ ‬ألتفت‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭ ‬وزوجتي‭ ‬الحبيبة‭ (‬امهم‭) ‬ونسافر‭ ‬لنستمتع‭ ‬بحياتنا‭ ‬قليلا؟‭ ‬لقد‭ ‬تخطيت‭ ‬الخمسة‭ ‬والستين‭ ‬وأشعر‭ ‬أنني‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬الراحة‭ ‬والاسترخاء‭ ‬ولكنني‭ ‬مازلت‭ ‬اصحو‭ ‬باكرا‭ ‬كالموظف‭ ‬لألف‭ ‬على‭ ‬الأحفاد‭ ‬وأوصلهم‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬ثم‭ ‬ارجعهم‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬وأحيانا‭ ‬حتى‭ ‬العصر‭ ‬يطلبون‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬اهتم‭ ‬بأبنائهم‭ ‬أو‭ ‬أوصلهم‭ ‬لشراء‭ ‬احتياجات‭ ‬المدرسة‭ ‬لكي‭ ‬يرتاح‭ ‬اباؤهم‭ ‬ويناموا‭ ‬بعد‭ ‬تعب‭ ‬الشغل‭!! ‬وماذا‭ ‬عني؟‭ ‬الا‭ ‬احتاج‭ ‬إلى‭ ‬الراحة‭ ‬بعد‭ ‬تعب‭ ‬الصباح؟‭ ‬

بالأمس‭ ‬جلست‭ ‬مع‭ ‬أبنائي‭ ‬وبطريقة‭ ‬المزاح‭ ‬قلت‭ ‬لهم‭ ‬تصرفوا‭ ‬الشهر‭ ‬الجاي‭ ‬مع‭ ‬ابنائكم‭ ‬لأنني‭ ‬سأسافر‭ ‬مع‭ ‬امكم‭ ‬أسبوعين‭ ‬نغير‭ ‬جوا،‭ ‬فنحن‭ ‬نشعر‭ ‬بالتعب‭ ‬والاكتئاب‭ ‬ونحتاج‭ ‬الى‭ ‬بعض‭ ‬الراحة،‭ ‬وكأنني‭ ‬فجرت‭ ‬قنبلة‭ ‬أو‭ ‬أخطأت‭ ‬في‭ ‬حقهم‭ ‬أو‭ ‬ضربتهم‭ ‬حيث‭ ‬استنكروا‭ ‬وصرخوا‭ ‬وقالوا‭ ‬لماذا‭ ‬وكيف‭ ‬تقررون‭ ‬السفر‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬تأخذوا‭ ‬رأينا،‭ ‬وكيف‭ ‬تطلب‭ ‬منا‭ ‬التصرف‭ ‬وأنت‭ ‬تعرف‭ ‬أننا‭ ‬نعتمد‭ ‬عليك؟‭ ‬فقلت‭ ‬لهم‭ ‬لهذا‭ ‬أعطيتكم‭ ‬شهرا‭ ‬للتصرف‭!! ‬فخرجوا‭ ‬من‭ ‬المنزل‭ ‬زعلانين‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬الغريبة،‭ ‬نظرت‭ ‬إلي‭ ‬زوجتي‭ ‬وسكتت‭ ‬وكأنها‭ ‬تقول‭ ‬لي‭ (‬قلت‭ ‬لك‭ ‬كلما‭ ‬تعطي‭ ‬أكثر‭ ‬يشعر‭ ‬الأبناء‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬حق‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭ ‬وكأنه‭ ‬واجب‭ ‬وليس‭ ‬فضلا‭).‬

رفع‭ ‬رأسه‭ ‬وعيونه‭ ‬فيها‭ ‬بقايا‭ ‬دموع‭ ‬وقال‭: ‬لقد‭ ‬أشعرني‭ ‬ابنائي‭ ‬الذين‭ ‬أفنيت‭ ‬عمري‭ ‬لأجلهم‭ ‬بأنني‭ ‬اناني‭ ‬ولا‭ ‬أفكر‭ ‬الا‭ ‬بنفسي‭ ‬لمجرد‭ ‬أنني‭ ‬فكرت‭ ‬أن‭ ‬اسافر‭ ‬وأغير‭ ‬جوا‭ ‬مع‭ ‬والدتهم‭.‬

لماذا‭ ‬ومتى‭ ‬وكيف‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬بهذه‭ ‬الأنانية،‭ ‬هل‭ ‬انا‭ ‬السبب‭ ‬وطريقة‭ ‬تربيتي‭ ‬كانت‭ ‬خاطئة‭ ‬حيث‭ ‬إنني‭ ‬حاولت‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬أن‭ ‬اريحهم‭ ‬وأوفر‭ ‬لهم‭ ‬كافة‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬منذ‭ ‬صغرهم‭ ‬وألغيت‭ ‬نفسي‭ ‬وسعادتي‭ ‬وراحتي‭ ‬بتاتا؟؟‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الغلط‭ ‬أن‭ ‬نضحي‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬أبنائنا‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نتحلى‭ ‬ببعض‭ ‬الأنانية‭ ‬لكي‭ ‬يشعر‭ ‬الأبناء‭ ‬بحق‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬راحتهم‭ ‬وسعادتهم؟‭ ‬من‭ ‬المخطئ‭ ‬أنا‭ ‬أو‭ ‬هم؟؟‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬جيلا‭ ‬أنانيا؟

من‭ ‬لديه‭ ‬الجواب‭ ‬يرسله‭ ‬إلي‭ ‬بالإيميل‭...‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا