العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

أمّنوا أنفسكم أولا!

تفاجأت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬على‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ (‬صج‭ ‬الدنيا‭ ‬غدارة‭) ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬زوجها‭ ‬فجأة‭ ‬وأصبحت‭ ‬وحيدة‭. ‬ولم‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنهال‭ ‬عليّ‭ ‬الرسائل‭ ‬والمكالمات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرته‭ ‬قصة‭ ‬حزينة‭ ‬فردية،‭ ‬بل‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬صراحة‭ (‬احنا‭ ‬اشدخلنا‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬عشان‭ ‬تكتبين‭ ‬فيه‭ ‬مقال؟‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنها‭ ‬حالة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وخصوصا‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الخمسين‭ ‬والستين‭ ‬وأنهم‭ ‬يعانون‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬غدر‭ ‬الزمن،‭ ‬بعضهم‭ ‬مصدوم‭ ‬في‭ ‬أولاده،‭ ‬وبعضهم‭ ‬مصدوم‭ ‬من‭ ‬إخوانه،‭ ‬والبعض‭ ‬مصدوم‭ ‬من‭ ‬شريك‭ ‬الحياة،‭ ‬ولكن‭ ‬العامل‭ ‬المشترك‭ ‬لمعظمهم‭ (‬انهم‭ ‬لم‭ ‬يحسبوا‭ ‬حساب‭ ‬غدر‭ ‬الزمن‭).‬

الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يعيشون‭ ‬حياتهم‭ ‬بالطول‭ ‬والعرض‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحسبوا‭ ‬حساب‭ ‬الزمن‭ ‬والعمر‭ ‬الذي‭ ‬يمضي،‭ ‬بل‭ ‬وغدر‭ ‬الزمن‭ ‬لو‭ ‬فقدوا‭ ‬شريك‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬عملهم‭ ‬أو‭ ‬مصدر‭ ‬رزقهم،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬عيالهم‭ ‬فقط‭ ‬وكيف‭ ‬يوفرون‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬الراحة‭ ‬من‭ ‬الأساسيات‭ ‬وحتى‭ ‬الكماليات‭ ‬ويلغون‭ ‬كل‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬بل‭ ‬يعتبرون‭ ‬ذلك‭ ‬واجبا‭ ‬وفرضا‭ ‬عليهم،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تفكير‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬مستقبلهم‭ ‬في‭ ‬الكبر،‭ ‬لذلك‭ ‬يصدمون‭ ‬من‭ ‬تصرفات‭ ‬أو‭ ‬أنانية‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬أوقات‭ ‬ضعفهم‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬الندم‭ ‬أبدا‭.‬

أهم‭ ‬قانون‭ ‬للسلامة‭ ‬في‭ ‬الطيارة‭ ‬وأول‭ ‬قانون‭ ‬يقول‭: ‬أمن‭ ‬نفسك‭ ‬أولا‭ ‬وضع‭ ‬كمامة‭ ‬الأوكسجين‭ ‬لنفسك‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬ضعه‭ ‬لطفلك‭ ‬أو‭ ‬شريكك‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬لأنك‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تؤمن‭ ‬نفسك‭ ‬بالأوكسجين‭ ‬الكافي‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تنقذ‭ ‬غيرك‭!! ‬فلماذا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لا‭ ‬نؤمن‭ ‬مستقبلنا‭ ‬أولا؟‭ ‬حيث‭ ‬إننا‭ ‬نعمل‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬لتوفير‭ ‬احتياجات‭ ‬أطفالنا‭ ‬وبيتنا‭ ‬وأهلنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬يكبر‭ ‬فيه‭ ‬الأطفال‭ ‬ويكوّنون‭ ‬حياتهم‭ ‬ونصبح‭ ‬وحيدين‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تأمين‭ ‬مالي؟‭ ‬وننسى‭ ‬أن‭ ‬أصابعنا‭ ‬ليست‭ ‬سواء‭ ‬وإننا‭ ‬نربي‭ ‬ونضحي‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬عقوق‭ ‬منتشر‭ ‬بشكل‭ ‬بشع‭ ‬في‭ ‬زمننا،‭ ‬وهناك‭ ‬عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬والنسيان‭ ‬والمسئوليات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ستثقل‭ ‬ظهر‭ ‬أطفالنا‭ ‬و‭ ‬و‭ ‬و،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نؤمن‭ ‬أنفسنا‭ ‬لكيلا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬انسان‭ ‬في‭ ‬المستقبل؟

o‭ ‬جارتنا‭ ‬في‭ ‬الستين‭ ‬أم‭ ‬لثلاثة‭ ‬شباب‭ ‬مثل‭ ‬الورد،‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬زوجها‭ ‬الميسور‭ ‬ماديا،‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬من‭ ‬المعاش‭ ‬الشهري‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يعطيها‭ ‬زوجها،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تصرف‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬والأولاد‭ ‬و‭(‬الخرابيط‭)‬،‭ ‬تعرف‭ ‬زوجها‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الستين‭ ‬على‭ ‬بنت‭ ‬إبليس‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬سفراته،‭ ‬رجع‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬إنسانا‭ ‬آخر،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬جارتنا‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬مملكتها‭ ‬لبنت‭ ‬إبليس‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬متزوج،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬قطع‭ ‬عنها‭ ‬الراتب‭ ‬الشهري‭ ‬الكبير‭ ‬وسحب‭ ‬السيارة‭ ‬الفارهة‭ ‬مع‭ ‬السائق،‭ ‬تحولت‭ ‬جارتنا‭ ‬من‭ ‬ملكة‭ ‬إلى‭ ‬متشردة‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬أحد‭ ‬الأبناء‭ ‬لتعيش‭ ‬عنده‭ ‬عالة‭ ‬لبقية‭ ‬عمرها‭.‬

o‭ ‬صديقتي‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬متقاعدة‭ ‬لم‭ ‬ترزق‭ ‬بالأطفال،‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬بيتهما،‭ (‬مملكتها‭ ‬الصغيرة‭)! ‬توفي‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬البيت‭ ‬باسمها‭ ‬بزعم‭ ‬أنه‭ ‬يثق‭ ‬في‭ ‬أخيه‭ ‬وأخته‭ ‬وأنه‭ ‬وصاهما‭ ‬أن‭ ‬يجعلوها‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتزوج‭ ‬أو‭ ‬تموت،‭ ‬ولكنهم‭ ‬بعد‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬وفاته‭ ‬طلبوا‭ ‬منها‭ ‬إخلاء‭ ‬المنزل‭ ‬لكي‭ ‬يبيعوه‭ ‬لأنهما‭ ‬محتاجان‭ ‬لمبلغ‭ ‬الورث،‭ ‬تقول‭ ‬صديقتي‭ ‬أين‭ ‬أذهب‭ ‬أنا‭ ‬وأغراضي‭ ‬وذكرياتي‭ ‬وكرامتي‭ ‬واستقلاليتي‭ ‬فراتب‭ ‬التقاعد‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لتأجير‭ ‬شقة‭ ‬وبيت‭ ‬والدتي‭ ‬صغير‭ ‬لا‭ ‬يكفيني‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟‭ ‬حسبي‭ ‬الله‭ ‬ونعم‭ ‬الوكيل‭.‬

إلى‭ ‬من‭ ‬قال‭ (‬اشدخلنا‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬زوج‭ ‬صديقتك‭) ‬أقول‭ ‬لو‭ ‬كنتم‭ ‬أزواجا‭ ‬محبين‭ ‬لزوجاتكم‭ ‬أمنوا‭ ‬مستقبلهم‭ ‬في‭ ‬حياتكم‭ ‬قبل‭ ‬الممات‭ ‬لكي‭ ‬تعيش‭ ‬الزوجة‭ ‬ملكة‭ ‬مملكتها‭ ‬وبيتها‭ ‬طول‭ ‬العمر‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مخلوق‭! ‬ولو‭ ‬كنتم‭ ‬أمهات‭ ‬وزوجات‭ ‬فأمنوا‭ ‬مستقبلكن‭ ‬ووفروا‭ ‬من‭ ‬مصاريفكن‭ ‬لليوم‭ ‬الأسود‭ ‬لكيلا‭ ‬تحتجن‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مخلوق‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬أطفالكن‭.‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا