العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

أمي شجرة ونحن أوراقها أمي عطاء بلا حدود

بقلم: ساجدة علوان فرحان البياتي.

الثلاثاء ١٨ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

كلمة‭ ‬رثاء‭ ‬أرثي‭ ‬بها‭ ‬الغالية‭ ‬والحبيبة‭ ‬أمي‭ ‬منيرة‭ ‬أم‭ ‬صباح‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬وأسكنها‭ ‬فسيح‭ ‬الجنان‭.‬

بقلب‭ ‬حزين‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬وعين‭ ‬باكية‭ ‬أرثيك‭ ‬أيتها‭ ‬الغالية،‭ ‬أرثيك‭ ‬والألم‭ ‬يعتصر‭ ‬قلبي‭ ‬وروحي،‭ ‬والدموع‭ ‬تنهمر‭ ‬من‭ ‬عيني‭ ‬وفراقك‭ ‬يمزقني‭.. ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أصبر‭ ‬نفسي‭ ‬رغم‭ ‬مرارة‭ ‬الفراق‭ ‬الذي‭ ‬أعيشه‭ ‬مع‭ ‬أختيّ‭ ‬صباح‭ ‬وماجدة‭ ‬بعد‭ ‬رحيلك‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬الحزن‭ ‬منا‭ ‬مبلغاً‭ ‬كبيرا‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬دموعنا‭ ‬عليك‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬تحضران‭ ‬لزيارتي‭ ‬وتسترجعان‭ ‬ذكرياتهما‭ ‬الجميلة‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬غرفتك‭ ‬وفي‭ ‬حضنك‭ ‬الدافئ‭ ‬أيتها‭ ‬الحنون‭ ‬الطيبة‭.. ‬نحبك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬والكل‭ ‬يحبك‭ ‬لما‭ ‬تتحلين‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬وسلوك‭ ‬راق‭.. ‬نحبك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬وكنا‭ ‬نشعر‭ ‬بحبك‭ ‬العظيم‭ ‬لنا‭ ‬حين‭ ‬نمرض‭ ‬أو‭ ‬يحدث‭ ‬لنا‭ ‬أي‭ ‬عارض‭.. ‬كنت‭ ‬تحرصين‭ ‬على‭ ‬راحتنا‭ ‬دائما‭ ‬وتتابعين‭ ‬أحوالنا‭ ‬ودراستنا‭ ‬وتحثيننا‭ ‬على‭ ‬الجد‭ ‬والاجتهاد‭ ‬والمثابرة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬بالاحترام‭ ‬والحسنى‭ ‬بدون‭ ‬تمييز،‭ ‬ومساعدة‭ ‬المحتاج‭ ‬وعدم‭ ‬رد‭ ‬السائل،‭ ‬ودائما‭ ‬ترددين‭ ‬‮«‬وأما‭ ‬السائل‭ ‬فلا‭ ‬تنهر‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬تشاهدين‭ ‬موقفا‭ ‬مؤثرا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬تجاه‭ ‬المحتاج‭.‬

عودتِنا‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬جليلة‭ ‬فكنت‭ ‬رمزاً‭ ‬للعطاء‭ ‬والتفاني،‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬تعليمنا‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات،‭ ‬كنت‭ ‬الأم‭ ‬الصالحة‭ ‬الهادئة‭.. ‬عرفت‭ ‬بأخلاقك‭ ‬الراقية‭ ‬وبالحلم‭ ‬والحكمة،‭ ‬فعلاً‭ ‬كنت‭ ‬حكيمة‭ ‬في‭ ‬تعاملك‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬أبنائك‭ ‬وأحفادك‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الأهل‭ ‬والأقرباء‭ ‬والصديقات‭ ‬والجيران‭ ‬وزميلات‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬إداريات‭ ‬ومعلمات‭ ‬وغيرهن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬بها،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬مثالاً‭ ‬للالتزام‭ ‬والإخلاص‭ ‬في‭ ‬عملك‭ ‬وخدمة‭ ‬وطنك‭ ‬الغالي‭ ‬بشهادة‭ ‬الجميع‭. ‬لم‭ ‬تتواني‭ ‬يوماً‭ ‬ولم‭ ‬تتغيبي‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الإجازات‭ ‬المرضية،‭ ‬تفضلين‭ ‬العلاج‭ ‬مساء،‭ ‬لم‭ ‬تتغيبي‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬خدمتك‭ ‬إلا‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬لوفاة‭ ‬والدتك‭ (‬جدتي‭) ‬رحمها‭ ‬الله‭. ‬من‭ ‬يصدق‭ ‬ذلك؟‭ ‬فمثلك‭ ‬نادر‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نفخر‭ ‬بسيرتك‭ ‬العطرة‭ ‬ونضعها‭ ‬وساما‭ ‬على‭ ‬صدورنا‭ ‬ما‭ ‬حيينا‭. ‬نلت‭ ‬شرف‭ ‬التكريم‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ -‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭- ‬في‭ ‬عيد‭ ‬العلم،‭ ‬وهذا‭ ‬التكريم‭ ‬يعدّ‭ ‬مفخرة‭ ‬وشرفا‭ ‬عظيما‭ ‬لننا‭ ‬نحن‭ ‬أبناءك‭. ‬

كثيرون‭ ‬حزنوا‭ ‬على‭ ‬رحيلك‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البحرين‭ ‬وخارجها‭ ‬حتى‭ ‬طالباتك‭ ‬اللاتي‭ ‬قمت‭ ‬بتعليمهن‭ -‬وقد‭ ‬كبرن‭ ‬الآن‭- ‬سارعن‭ ‬عند‭ ‬سماع‭ ‬الخبر،‭ ‬جئن‭ ‬باكيات‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬العزاء‭ ‬ليودعنك‭ ‬الوداع‭ ‬الأخير‭.‬

يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬عصيبة‭ ‬علينا،‭ ‬عشت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬هادئة‭ ‬فوصفك‭ ‬الجميع‭ ‬بملاك‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وخرجت‭ ‬منها‭ ‬أيضاً‭ ‬بهدوء‭ ‬تام‭. ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬قلت،‭ ‬إن‭ ‬قلمي‭ ‬لعاجز‭ ‬عن‭ ‬التعبير‭ ‬بالكتابة،‭ ‬لكن‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬في‭ ‬حياتك‭ ‬لأبنائك‭ ‬ثروة‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬غرست‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬القيم‭ ‬الجميلة‭ ‬والمبادئ‭ ‬الوطنية‭ ‬الخالصة‭ ‬والولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬والحب‭ ‬والوفاء‭ ‬للوطن‭ ‬الغالي‭. ‬

ربيتنا‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الخير،‭ ‬عملت‭ ‬الخير‭ ‬لأجل‭ ‬الخير،‭ ‬ما‭ ‬انتظرت‭ ‬حمداً‭ ‬ولا‭ ‬شكورا،‭ ‬أياديك‭ ‬البيضاء‭ ‬امتدت‭ ‬إلى‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬حولك‭ ‬بصمت‭. ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد‭ ‬الآن‭ ‬ويدعون‭ ‬لك،‭ ‬سرنا‭ ‬على‭ ‬دربك‭ ‬ونهجك‭ ‬والحمد‭ ‬لله،‭ ‬أحببت‭ ‬بوفاء‭ ‬وأعطيت‭ ‬بسخاء،‭ ‬لم‭ ‬تكوني‭ ‬أمّا‭ ‬فقط‭.. ‬كنت‭ ‬الأم‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬علاقتك‭ ‬معنا،‭ ‬كنت‭ ‬الأم‭ ‬والأخت‭ ‬والصديقة،‭ ‬كنت‭ ‬مدرسة‭ ‬تعلمنا‭ ‬على‭ ‬يديك‭ ‬معنى‭ ‬الحب‭ ‬والإخلاص‭ ‬والوفاء‭ ‬والتفاني‭ ‬ودماثة‭ ‬الخلق‭ ‬وصفاء‭ ‬النفس،‭ ‬كنت‭ ‬رفيقة‭ ‬دربي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬لا‭ ‬يطيب‭ ‬لي‭ ‬السفر‭ ‬بدونك،‭ ‬وأنت‭ ‬كذلك،‭ ‬فأحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكوني‭ ‬معي‭ ‬دائما‭ ‬ولم‭ ‬أتركك‭ ‬حتى‭ ‬اللحظات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حياتك،‭ ‬لذا‭ ‬رحيلك‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬ترك‭ ‬فراغا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬حياتي‭.. ‬إن‭ ‬الذكريات‭ ‬كثيرة‭ ‬وجميلة‭ ‬ومآثرك‭ ‬أجمل‭ ‬يا‭ ‬حبيبتي‭ ‬الغالية،‭ ‬مهما‭ ‬قلت‭ ‬لن‭ ‬أوفيك‭ ‬حقك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬ستظلين‭ ‬في‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬وقلوبنا‭ ‬دائما‭ ‬ولا‭ ‬يسعني‭ ‬هنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أقول‭:‬

أنت‭ ‬معلمة‭ ‬الأجيال

أنت‭ ‬صانعة‭ ‬الحياة

أنت‭ ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬يضيء‭ ‬لنا‭ ‬طريقنا‭ ‬

أنت‭ ‬الحب‭ ‬والدفء‭ ‬أنت‭ ‬الأمان

أنت‭ ‬فخرنا‭ ‬وعزنا‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان

أنت‭ ‬عطاء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬فاق‭ ‬المكان

إن‭ ‬فقدك‭ ‬خسارة‭ ‬جسيمة‭ ‬وألم‭ ‬عظيم،‭ ‬لكن‭ ‬إيماننا‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬قوي‭ ‬وإن‭ ‬الموت‭ ‬شيء‭ ‬محتم‭ ‬وحق‭ ‬علينا‭ ‬جميعاً،‭ ‬وكلنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدرب‭ ‬سائرون‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬السبل‭.‬

لن‭ ‬أقول‭ ‬رحلت‭.. ‬رحلت‭ ‬جسداً‭ ‬فقط،‭ ‬وذكرك‭ ‬باق‭ ‬سيظل‭ ‬ما‭ ‬بقينا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭ ‬وتجاوز‭ ‬عنك‭ ‬وجعل‭ ‬جنة‭ ‬الفردوس‭ ‬مثواك،‭ ‬اللهم‭ ‬آمين‭.‬

أختم‭ ‬كلمتي‭ ‬بهذين‭ ‬البيتين‭ ‬من‭ ‬الشعر‭:‬

كل‭ ‬ابن‭ ‬أنثى‭ ‬وإن‭ ‬طالت‭ ‬سلامته

يوماً‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬حدباء‭ ‬محمول‭ ‬

كلمات‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سلمى‭ ‬المزني‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حكم‭ ‬المنية‭ ‬في‭ ‬البرية‭ ‬جار‭ ‬

ما‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬بدار‭ ‬قرار

كلمات‭ ‬الشاعر‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬علي‭ ‬التهامي

وداعاً‭ ‬يا‭ ‬حبيبتي‭ ‬

وداعاً‭ ‬يا‭ ‬صديقة‭ ‬عمري‭ ‬

وداعاً‭ ‬يا‭ ‬رفيقة‭ ‬دربي

إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬

ساجدة‭ ‬علوان‭ ‬فرحان‭ ‬البياتي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا