العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

السجون المفتوحة وبشارات الشهر الكريم

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٦ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

يُقال‭ ‬إن‭ ‬العدالة‭ ‬عمياء،‭ ‬ويُستدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصوير‭ ‬العدالة‭ ‬بصورة‭ ‬امرأة‭ ‬تعصب‭ ‬عينيها‭ ‬بغطاءٍ‭ ‬سميك‭ ‬وتحمل‭ ‬في‭ ‬يدها‭ ‬ميزان‭ ‬العدل،‭ ‬وقد‭ ‬اختلفت‭ ‬الآراء‭ ‬في‭ ‬تسبيب‭ ‬ذلك،‭ ‬فالبعض‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬العدالة‭ ‬عمياء‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تلتفت‭ ‬إلى‭ ‬العواطف‭ ‬والمشاعر‭ ‬ولا‭ ‬تطبق‭ ‬روح‭ ‬القانون‭ ‬بل‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬النص‭ ‬القانوني‭ ‬المباشر،‭ ‬فيما‭ ‬قال‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬إنها‭ ‬عمياء‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تختفي‭ ‬وراء‭ ‬الظاهر،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الظاهر‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭.‬

والأصل‭ ‬أن‭ ‬العدالة‭ ‬القضائية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬الإثبات‭ ‬بالأدلة‭ ‬والبراهين،‭ ‬وتلك‭ ‬أيضاً‭ ‬قابلة‭ ‬للصواب‭ ‬والخطأ‭ ‬وللتضليل‭ ‬والتلاعب‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬العدالة‭ ‬هم‭ ‬بشر‭ ‬غير‭ ‬معصومين‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يقع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قصد،‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الأمم‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭ ‬كعقوبة‭ ‬جنائية‭ ‬تعزيزاً‭ ‬للحق‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكرر‭ ‬ثبوت‭ ‬براءة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محكوم‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬تمام‭ ‬تنفيذ‭ ‬حكم‭ ‬الإعدام‭ ‬بحقه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أُسقط‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬العطار‭ ‬فلم‭ ‬يعُد‭ ‬في‭ ‬مقدوره‭ ‬أن‭ ‬يُصلح‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬الدهر،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬البروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬الثاني‭ ‬الملحق‭ ‬بالعهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والمتعلق‭ ‬بإلغاء‭ ‬عقوبة‭ ‬الإعدام‭ ‬عام‭ ‬1989‭.‬

وأن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬تطرقي‭ ‬للمقدمة‭ ‬السابقة‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬تابعناه‭ ‬من‭ ‬طلب‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬والحكومة‭ ‬لتقييم‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬الذي‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬القوانين‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تُعنى‭ ‬بضبط‭ ‬السلوك‭ ‬وحماية‭ ‬الحقوق،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بحذر‭ ‬ودقة‭ ‬وإعمالها‭ ‬بشكل‭ ‬ضيّق،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يؤخذ‭ ‬عليها‭ ‬مسألة‭ ‬انقضاء‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تشريع‭ ‬يُجرّم‭ ‬الأفعال‭ ‬ويُقرر‭ ‬لها‭ ‬عقوبات‭ ‬قد‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد‭ ‬وحرياتهم‭ ‬وأموالهم،‭ ‬وبأن‭ ‬الأصل‭ ‬في‭ ‬الأفعال‭ ‬هو‭ ‬الإباحة،‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الأولى‭ ‬تضييق‭ ‬مجالات‭ ‬التجريم‭ ‬والعقاب،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬مواكباً‭ ‬للتطور‭ ‬البشري‭ ‬ومستجداته‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الواجب‭ ‬التجريم‭ ‬كالجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬مثلاً،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوانين‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬تُعنى‭ ‬بصالح‭ ‬المواطن‭ ‬وتحسين‭ ‬مستواه‭ ‬المعيشي‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكتسباته‭ ‬تستوجب‭ ‬التركيز‭ ‬واستغلال‭ ‬فترة‭ ‬الفصل‭ ‬التشريعي‭ ‬السادس‭ ‬للاشتغال‭ ‬عليها‭ ‬وإصدارها‭ ‬خلاله‭.‬

وعلى‭ ‬صلة‭ ‬بموضوع‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬بشارات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬بدء‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬تنفيذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة‭ ‬وذلك‭ ‬بتفعيل‭ ‬برنامج‭ ‬السجون‭ ‬المفتوحة‭ ‬باعتباره‭ ‬برنامجاً‭ ‬واعداً‭ ‬ومتطوراً‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تعزيز‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬توجه‭ ‬النهج‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لصاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم‭ ‬إلى‭ ‬تطبيق‭ ‬السياسة‭ ‬الجنائية‭ ‬الحديثة‭ ‬والتي‭ ‬قوامها‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬احترام‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بمراعاة‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل‭ ‬لا‭ ‬العقاب،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تأهيل‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬وإعداده‭ ‬لمعاودة‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬باعتباره‭ ‬مواطناً‭ ‬صالحاً‭ ‬نافعاً‭ ‬لوطنه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬عدد‭ ‬يقارب‭ ‬الخمسة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬يُعد‭ ‬مؤثراً‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬وفي‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬مجمع‭ ‬السجون‭ ‬المفتوحة‭ ‬يُعد‭ ‬صرحاً‭ ‬معمارياً‭ ‬متطوراً‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬الإنشائية‭ ‬والتشغيلية‭ ‬والخدماتية‭ ‬والتأهيلية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والرياضية‭ ‬والترفيهية،‭ ‬فهو‭ ‬يُعد‭ ‬بيئة‭ ‬متطورة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التي‭ ‬تشرف‭ ‬عليها‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بقيادة‭ ‬معالي‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬الشيخ‭ ‬راشد‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬الموقر‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬البشارات‭ ‬الرمضانية،‭ ‬وحيث‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك،‭ ‬فإن‭ ‬تطلعاتنا‭ ‬وسقف‭ ‬آمالنا‭ ‬يرتفع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تطال‭ ‬بشارات‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬مستوى‭ ‬المواطن‭ ‬المعيشي‭ ‬الذي‭ ‬يثقله‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬مألوف‭ ‬مصروفاته‭ ‬المعتادة،‭ ‬وكلنا‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بمتطلبات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬والعيد‭ ‬وأثرها‭ ‬في‭ ‬كاهل‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة،‭ ‬ولعل‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬تزول،‭ ‬ربما‭ ‬بمبادرة‭ ‬كريمة‭ ‬بمكرمة‭ ‬من‭ ‬قيادته‭ ‬بالأمر‭ ‬بصرف‭ ‬راتب‭ ‬إضافي‭ ‬للمواطنين‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الأعباء‭ ‬وإدخال‭ ‬الفرحة‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن،‭ ‬الذين‭ ‬تباعدت‭ ‬الشقة‭ ‬بين‭ ‬مواردهم‭ ‬ومصروفاتهم‭ ‬وأصبحوا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬متنفس‭ ‬يضفي‭ ‬على‭ ‬عيدهم‭ ‬فرحة‭ ‬هم‭ ‬وأبناؤهم‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا