العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩١ - الخميس ١٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العرب ومرحلة حاسمة في الصراع مع الحركة الصهيونية

بقلم: د. مصطفى البرغوثي

الجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬خضم‭ ‬الصراع‭ ‬الشديد‭ ‬الدائر‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬ومحيطها،‭ ‬تنشأ‭ ‬بين‭ ‬حينٍ‭ ‬وآخر‭ ‬اختلالات‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬طبيعة‭ ‬الخصم‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمتها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬يؤدّي‭ ‬الخلل‭ ‬المفاهيمي‭ ‬دائما‭ ‬إلى‭ ‬اختلال‭ ‬السياسات‭ ‬وتشويشها،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬ترويج‭ ‬أفكارٍ‭ ‬مضلّلة‭ ‬لتبرير‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحدّيات‭. ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬ردّات‭ ‬الأفعال‭ ‬التكتيكية‭ ‬والانفعالات‭ ‬العابرة‭ ‬والمؤقّتة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إيضاح‭ ‬القواعد‭ ‬الأساسية‭ ‬التالية‭ ‬لفهم‭ ‬سلوك‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬والحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عموما‭.‬

أولاً،‭ ‬ليست‭ ‬إسرائيل‭ ‬مجرّد‭ ‬كيان‭ ‬طارئ‭ ‬نتيجة‭ ‬ظروف‭ ‬تاريخية‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مشروع‭ ‬استعماري‭ ‬استيطاني‭ ‬إحلالي‭ ‬استند‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬تلمودية‭ ‬خيالية‭ ‬بأن‭ ‬فلسطين‭ ‬والأردن‭ ‬وأجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وشمال‭ ‬السعودية‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬الله‭ ‬اليهود‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬قليلاً‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭ ‬المتخيّلة‮»‬‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬لأي‭ ‬شعوبٍ‭ ‬أخرى‭. ‬وهذا‭ ‬المشروع‭ -‬الفكرة‭ ‬هو‭ ‬المرجع‭ ‬الأساس‭ ‬المستقر‭ ‬في‭ ‬أدمغة‭ ‬كل‭ ‬قادة‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬من‭ ‬يمينها‭ ‬إلى‭ ‬يسارها‭ (‬إن‭ ‬وجد‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأساس‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬لكل‭ ‬السياسات‭ ‬والممارسات‭ ‬والحروب‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

ثانياً،‭ ‬يخضع‭ ‬تنفيذ‭ ‬الفكرة‭ ‬لموازين‭ ‬القوى،‭ ‬ويحتمل‭ ‬حلولاً‭ ‬ووقفات‭ ‬مرحلية،‭ ‬تضطر‭ ‬خلالها‭ ‬إسرائيل‭ ‬والحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬إلى‭ ‬قبولها‭ ‬بحكم‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬القائمة،‭ ‬مثل‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الهدنة‭ ‬المؤقتة‭. ‬لكن‭ ‬جميع‭ ‬الوقفات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬المرحلية‭ ‬لا‭ ‬تُلغي،‭ ‬في‭ ‬أيِّ‭ ‬حال،‭ ‬المشروع‭ ‬الأساس‭ ‬المذكور،‭ ‬بل‭ ‬تخدم‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافه‭ ‬النهائية‭.‬

ثالثاً،‭ ‬كان‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ومنذ‭ ‬تباشير‭ ‬انطلاقته‭ ‬المعاصرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وما‭ ‬زال،‭ ‬مرتبطاً‭ ‬بالدول‭ ‬والمشاريع‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬رأت‭ ‬فيه‭ ‬الحليف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الطبيعي‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ (‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عموماً‭) ‬وثرواتها،‭ ‬ومنع‭ ‬تبلور‭ ‬قوة‭ ‬منظمة‭ ‬وموحّدة‭ ‬فيها،‭ ‬ورأى‭ ‬فيها‭ ‬مصدر‭ ‬القوة‭ ‬والإسناد‭ ‬الذي‭ ‬يستحيل‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬وتحويله‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭.‬

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الفكرة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والقوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬وحملته‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وامتدّ‭ ‬عبر‭ ‬الغزل‭ ‬مع‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الألماني،‭ ‬وحاول‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬رفضته،‭ ‬لكن‭ ‬أعمق‭ ‬التحالفات‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬وأقواها‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬الفكر‭ ‬الإنجيلي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والذي‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ضالّتها‭ ‬وأقوى‭ ‬مصادر‭ ‬الإسناد‭ ‬والدعم‭ ‬المادي‭ ‬والفكري‭ ‬والأيديولوجي‭ ‬لها‭.‬

ومنذ‭ ‬انطلاقتها،‭ ‬استمرّت‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬دور‭ ‬استعماري‭ ‬وظيفي‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والإمبريالية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭. ‬وكانت‭ ‬الذراع‭ ‬الضاربة‭ ‬ومخلب‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‭ ‬والفرنسي‭ ‬في‭ ‬عدوان‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬ضد‭ ‬مصر‭ ‬وضد‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬لضرب‭ ‬حركة‭ ‬التحرّر‭ ‬العربية،‭ ‬وكانت‭ ‬الحليف‭ ‬الأكبر‭ ‬لنظام‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬الديكتاتوري‭ ‬والمدرب‭ ‬لجهاز‭ ‬السافاك‭ ‬القمعي،‭ ‬وصارت‭ ‬أقرب‭ ‬حلفاء‭ ‬نظام‭ ‬الأبارتهايد‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭... ‬والقائمة‭ ‬تطول‭.‬

رابعاً،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬أجزاء‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬والأربعينيات،‭ ‬ارتدت‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراضها‭ ‬عباءات‭ ‬يسارية،‭ ‬بحكم‭ ‬توازنات‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬وميول‭ ‬فئات‭ ‬يهودية‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬اليساري‭ ‬بحكم‭ ‬تعرّضها‭ ‬للاضطهاد‭ ‬اللاسامي‭ ‬بوصفها‭ ‬أقليات‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬فإن‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬بقيت‭ ‬أساساً‭ ‬دينية‭ ‬أصولية،‭ ‬كما‭ ‬يشكل‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني‭ ‬التلمودي‭ ‬المتعصّب‭ ‬والمتطرّف‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬محرّكات‭ ‬سلوكها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتطرّفة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وتوسّعها‭ ‬الاستيطاني‭ ‬ونزعتها‭ ‬العسكرية‭ ‬العدوانية‭.‬

خامساً،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬قط‭ ‬حركة‭ ‬محلية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حركة‭ ‬عالمية‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كَلل‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬اليهود‭ ‬واستغلالهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم،‭ ‬وتجنّد‭ ‬حالياً‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الإنجيليين‭ ‬المتصهينين‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وتستغل‭ ‬نفوذهم‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬بالتحكّم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬ونتائجها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وليس‭ ‬حصراً،‭ ‬وأبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬والرئاسية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

سادساً،‭ ‬مع‭ ‬احتداد‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬جرى‭ ‬تحوّل‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬أيديولوجيّتها‭ ‬دائماً‭ ‬بالعنصرية‭ ‬المتطرّفة،‭ ‬نحو‭ ‬الفاشية‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬نفّذت‭ ‬وتنفّذ‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬ومشاريع‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الشامل‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الأخرى،‭ ‬كالعقوبات‭ ‬الجماعية‭ ‬والتجويع،‭ ‬إلا‭ ‬بأنها‭ ‬نتاج‭ ‬فكر‭ ‬وسياسة‭ ‬فاشية‭ ‬خطيرة‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬مثلها‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬ويتلاءم‭ ‬هذا‭ ‬التحوّل‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬تحوّلات‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬غربية‭ ‬أخرى‭ ‬نحو‭ ‬اليمينيّة‭ ‬العنصرية‭ ‬المتعصّبة‭ ‬والفاشية‭.‬

سابعاً،‭ ‬ليس‭ ‬الاستيطان‭ ‬والتوسّع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الجاري‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ظاهرة‭ ‬عابرة،‭ ‬أو‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬متطرّفة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬التطبيق‭ ‬الفعلي‭ ‬لكل‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الذي‭ ‬يكرّر‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬توسع‭ ‬استيطاني‭ ‬وإعادة‭ ‬هندسة‭ ‬للواقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬والديمغرافي‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬1948‭. ‬وهو‭ ‬يفعل‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الجولان‭ ‬المحتل،‭ ‬وسينفذه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬احتلالها‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها‭.‬

ثامناً،‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬وحكّام‭ ‬إسرائيل‭ ‬مستعدّون‭ ‬باستمرار‭ ‬لشن‭ ‬أشدّ‭ ‬الهجمات‭ ‬وأشرسها‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقاوم‭ ‬مخطّطهم‭ ‬الأصلي،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬شكل‭ ‬المقاومة،‭ ‬مسلّحاً‭ ‬أو‭ ‬شعبياً‭ ‬أو‭ ‬سلمياً،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالفكر‭ ‬والكلام‭. ‬وتُستخدم‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬القوة‭ ‬والعنف‭ ‬المسلح،‭ ‬بل‭ ‬منظومات‭ ‬إعلامية‭ ‬وتحريضية‭ ‬ولوبيات،‭ ‬تأثيرها‭ ‬أقوى،‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬كثيرة،‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬العسكرية،‭ ‬لفرض‭ ‬هيمنة‭ ‬الرواية‭ ‬والسردية‭ ‬الصهيونية‭ ‬للصراع‭ ‬الجاري‭ ‬ولحشد‭ ‬الدعم‭ ‬والتأييد‭ ‬لإسرائيل‭ ‬والحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬ولقمع‭ ‬القوى‭ ‬والحَراكات‭ ‬المؤيدة‭ ‬لنضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وتمثل‭ ‬شيطنة‭ ‬الخصم‭ ‬وتشويه‭ ‬صورته‭ ‬ووسمه‭ ‬بالإرهاب‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬الحملات‭ ‬التي‭ ‬تشنّ‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقاوم‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭.‬

وما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تحريض‭ ‬وشيطنة‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬وقوى‭ ‬مقاومة‭ ‬أخرى،‭ ‬وعبر‭ ‬ذلك‭ ‬شيطنة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بكامله،‭ ‬مجرّد‭ ‬نموذج‭ ‬لسلوك‭ ‬تكرّر‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬ولو‭ ‬خضعت‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وقبلت‭ ‬مثلاً‭ ‬باتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬واعترفت‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬وقبلت‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستيطان،‭ ‬لاختلف‭ ‬السلوك‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تجاهها،‭ ‬ولكنه‭ ‬لن‭ ‬يضمن‭ ‬بقاءها‭ ‬أو‭ ‬بقاء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬وقبل‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬فتح‭ ‬وقوى‭ ‬فلسطينية‭ ‬أخرى‭ ‬ومنظمّة‭ ‬التحرير‭ ‬توصف‭ ‬بالإرهاب،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تصنّف‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬إرهابية،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والكل‭ ‬يذكر‭ ‬كيف‭ ‬صار‭ ‬الشهيد‭ ‬الراحل‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬عنواناً‭ ‬للهجمات‭ ‬الصهيونية،‭ ‬رغم‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو،‭ ‬ليكتشف‭ ‬لاحقاً‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬كان‭ ‬فخّاً،‭ ‬وكيف‭ ‬صُنف‭ ‬الإرهابي‭ ‬الأكبر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مُنح‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬ثم‭ ‬حوصر‭ ‬وعُزل‭ ‬حتى‭ ‬جرى‭ ‬اغتياله‭.‬

لا‭ ‬مجال‭ ‬هنا‭ ‬للتفصيل‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬هذه‭ ‬القواعد‭ ‬الثماني‭ ‬المذكورة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬فهمها‭ ‬بعمق‭ ‬وإدراك‭ ‬مضمونها‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفهم،‭ ‬أو‭ ‬يتعامل‭ ‬أو‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الوجودي‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬والمنطقة‭. ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬المشكلة‭ ‬الجوهرية‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الرسمي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وسلوك‭ ‬أطراف‭ ‬إقليمية‭ ‬كثيرة‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬التعلق‭ ‬بوهم‭ ‬الحل‭ ‬الوسط‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬وفعلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬فعله،‭ ‬ونفّذت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬تنفيذه‭ ‬من‭ ‬جرائم،‭ ‬لإيصال‭ ‬رسالتها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لحلول‭ ‬وسط‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مشروع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬الذي‭ ‬استخدمته‭ ‬مرحلياً‭ ‬لتغيير‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لصالحها‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬عنوان‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المعلنة‭ ‬لحكام‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحاليين،‭ ‬وكذلك‭ ‬قادة‭ ‬المعارضة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬هو‭ ‬حسم‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإنهاء‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭.‬

ويترافق‭ ‬وهم‭ ‬الحل‭ ‬الوسط‭ ‬مع‭ ‬وهم‭ ‬آخر،‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيطاً‭ ‬نزيهاً‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر،‭ ‬رغم‭ ‬تأكيدها‭ ‬المتواصل،‭ ‬بالأفعال‭ ‬والأقوال،‭ ‬أنها‭ ‬الحليف‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لإسرائيل‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬فجوات‭ ‬وخلافات‭ ‬تكتيكية،‭ ‬تظهر‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬شيء‭ ‬واعتبار‭ ‬الأخيرة‭ ‬وسيطاً‭ ‬عادلاً‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬سوى‭ ‬تفسير‭ ‬واحد‭ ‬للتعلق‭ ‬بالأوهام‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬مراراً‭ ‬عدم‭ ‬صحّتها،‭ ‬وهو‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال،‭ ‬أو‭ ‬العجز،‭ ‬أو‭ ‬الخوف،‭ ‬أو‭ ‬التقاعس‭ ‬عن‭ ‬التصدّي‭ ‬للمهمّة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر،‭ ‬وهي‭ ‬تبنّي‭ ‬استراتيجية‭ ‬موحّدة‭ ‬لتغيير‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬بمواجهة‭ ‬المشروع‭ ‬العدواني‭ ‬الصهيوني،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭  ‬محاولة‭ ‬الاختباء‭ ‬العبثية‭ ‬من‭ ‬مواجهته‭ ‬ومواجهة‭ ‬آثاره‭ ‬المدمّرة‭.‬

 

{ الأمين‭ ‬العام‭ ‬لحركة‭ ‬

المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا