التاريخ له عدة أبواب منها السرديات التي تولدها المرحلة ومنها الآثار التي يتركها الذين عاشوا الحقبة ومنها القصاصات الورقية التي يتركها البعض لتكون مذكرة مستقبلية يمكن منها استخلاص أحداثها، وتواريخها، ومواقف رجالها ونتائجها. غير أن من أهم مصادر التاريخ هي المذكرات التي يكتبها من عاش المرحلة ومن عمل فيها وأثر فيها وتأثر بها. أما أن تكون هذه المذكرات ذاتية أو من طرف ثالث. والمذكرات التي أصدرها الباحثان الدكتور علي الصوفي والمهندس حامد العوضي فهي مصدر مهم لتاريخ مرحلة معينة وشخصية محددة عاشت تلك الفترة غير البعيدة بحساب الزمن، لكنها كبيرة وقريبة منا اليوم. وهي مذكرات شخصية بحرينية مهمة ونشطة في المجتمع والتجارة وهو الأستاذ محمد عبدالرحمن العوضي.
في مركز البحرين للتاريخ والآثار (8 يناير 2025) وبحضور نخبة من المهتمين بالآثار والتاريخ، قام الباحثان بتقديم الشخصية والكتاب الذي تمكنا من نشره بعد جهد استمر عشرين عاما بذل الباحثان خلالها جهدا كبيرا من البحث وجمع الوثائق والمذكرات، والقصاصات غير المكتملة باللغة الفارسية التي كانت مدفونة في بيته القديم مدة 60 عاما. تم البحث عن مترجمين للنصوص الفارسية القديمة. كما استعانا بدراسات قام بها أساتذة في تاريخ الخليج العربي وأعمال الأستاذ العوضي. من العرض اتضح مدى أولا: اهتمام وجهد الباحثين والتفاني في إبراز الشخصية، ثانيا: برزت المكانة الكبيرة للأستاذ العوضي في تاريخ الخليج العربي ومؤلفاته التي مازال بعضها متداولا بين المختصين والمهتمين بتاريخ المنطقة.
محمد بن عبد الرحمن العوضي (1887-1958) هو شخصية بحرينية عاش في فريق العوضية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وأنجب طفلين (محمد وأسماء)، له إسهامات كبيرة معروفة في مختلف المجالات. لقد صنع لنفسه اسمًا من خلال تفانيه وعمله الجاد والتزامه بالتميز، له دور كبير في تطوير فرضة دبي بعد ان انضم الى الشركة الموكلة بادارة فرضة دبي عام 1901. ولد محمد بن عبد الرحمن العوضي في بلدة صغيرة، حيث قضى سنواته الأولى. أظهر منذ صغره اهتمامًا كبيرًا بالتعلم وشغفًا بمساعدة الآخرين. أدرك والداه إمكانياته وقدما له الدعم اللازم لنيل مساعيه.
مع تقدمه في العمر، قاده عطشه للمعرفة إلى متابعة التعليم العالي. كانت إنجازاته البحثية مشرفة منها كتاب «الإسلام وأثره في إيران»، وكتاب «قصة الغاجار والبهلوي» وكتاب «استقلال إيران المفقود». وكتب حول مصر «تاريخ استقلال مملكة الفراعنة»، وقصة «استقلال تركيا». أما أهم كتبه كان «تاريخ الخليج العربي». أهمية هذه الدراسات والكتب أنها صدرت أو كتبت في وقت كان الصراع مع المستعمر على أشده، وتخرج في الجامعة بمرتبة الشرف، مما أكسبه احترام وإعجاب زملائه وأساتذته. بعد إنهاء تعليمه، بدأ مسيرته المهنية، وسرعان ما ارتقى في الرتب.
بالإضافة إلى إنجازاته المهنية، يُعرف الأستاذ العوضي أيضًا بجهوده الخيرية. لقد كان نشطًا في عديد من المنظمات الخيرية، يعمل على تحسين حياة الأقل حظًا. كرمه وتعاطفه لمس حياة الكثيرين، ويعد نموذجًا يحتذى به في مجتمعه. فقد كان من التجار النشطين في البحرين وكان وكيل شركة مكائن سنجر للخياطة التي كانت حينها من أفضل الماركات. وكونه من عائلة امتهنت الخياطة (في سوق القيصرية) فقد كان لها معرفة بهذه الماركة وصاحبها. من الصعب إعطاء هذا العمل حقه في مقالة قصيرة لكن نؤكد أنه مرجع مهم للمهتمين بتاريخ الخليج العربي والمناطق المجاورة وبدايات تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي عام 1931.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك