غيَّب الموتُ أمس الخميس، الكاتبَ والمفكرَ البحريني الكبير د. محمد جابر الأنصاري، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، وأستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، الذي يُعد من أعلام الفكر العربي الحديث.
ولد الدكتور محمد جابر الأنصاري عام 1939 في مدينة المحرق، التي شكلت بيئتها الثقافية والاجتماعية مصدرَ إلهام كبير لشخصيته الفكرية، تابع دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، التي حصل منها على بكالوريوس في الآداب عام 1963، ثمّ ماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966، ثمّ دكتوراه في الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة عام 1979. بعد ذلك، تابع دراساته في جامعتَي «كامبردج» البريطانية و«السوربون» الفرنسية، وتأثر بمفكرين بارزين مثل إحسان عباس وقسطنطين زريق، مما أسهم في بناء رؤيته النقدية للفكر العربي والإسلامي. لاحقاً، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون في فرنسا.
بدأ الأنصاري التأليف والنشر منذ مطلع الستّينيات. ومن مؤلّفاته: «لمحات من الخليج العربي»، و«الخليج – إيران – العرب»، و«تحوّلات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1930 -1970»، و«العالم والعرب سنة 2000»، و«التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق»، و«تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها»، و«رؤية قرآنية للمتغيّرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر»، و«انتحار المثقّفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية»، و«الفكر العربي وصراع الأضداد»، و«التأزّم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام: لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع»، و«التأزّم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام: مكوّنات الحالة المزمنة»، و«تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القُطرية: مدخل إلى إعادة فهم الواقع العربي»، و«العرب والسياسة: أين الخلل؟ جذر العطل العميق»، و«مساءلة الهزيمة: جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية»، و«الناصرية بمنظور نقدي، أيّ دروس للمستقبل؟»، و«لقاء التاريخ بالعصر، دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل».
عمل المفكّر الراحل أستاذاً لدراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، وعميداً لكلّية الدراسات العليا في «جامعة الخليج» بالبحرين، وشغل عضوية «المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون» و«مجلس الدولة»، وكان من مؤسّسي «أسرة الأدباء والكتّاب» في البحرين وأوّل رئيس لها عام 1969، كما عمل مستشاراً ثقافياً لملك البحرين منذ عام 1989 حتى رحيله.
تميزت أعمال د. محمد جابر الأنصاري باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة.
أهم الجوائز:
جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتابه تحولات الفكر عام 1981
جائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري في البحرين عام 1989
وسام قادة مجلس التعاون في قمة مسقط عام 1989
أهم المؤلفات:
المجموعة الكاملة لأعمال الشيخ إبراهيم محمد آل خليفة – جمع وتحقيق- 1968
لمحات من الخليج العربي - الخليج – إيران – العرب 1972
هل كانوا عمالقة ومقالات أخرى 1985
الحساسية المغربية والثقافة المشرقية 1988
تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي 1988
العالم والعرب سنة 2000: 1988
التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق – دار الغرب الإسلامي – بيروت 1992
تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1992
تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القُطرية: 1994
التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام 1995
الفكر العربي وصراع الأضداد 1996
الدراسات المحكمة:
العروة الوثقى والمنار التوفيقي بين الأصالة والمعاصرة 1984
جذور التربية اليابانية وخصائصها المميزة
قراءة جديدة في تاريخ الجبرتي
الحملات الإسبانية على الشرق الأندلسي
إشكالية مفهوم الحكم والحاكمية بين الأصل القرآني والاستعمال المحدث
موقف الإسلام من نمط الحياة الرعوية في القرآن الكريم والسنة النبوية
غياب المفهوم المؤسسي الشامل والدائم للدولة في المصطلح العربي
ثوابت البعد الحضري ودلالته في الإسلام بنظرة مقارنة مع أديان ومدارس فكرية أخرى.
وزير الإعلام: رحيل قامة بحرينية كبيرة أثرت مسيرة الفكر والثقافة العربية
أشاد الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي وزير الإعلام بمناقب الدكتور محمد جابر الأنصاري مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، رحمه الله، وما تركه من بصمة واضحة في مختلف صنوف العلم والمعرفة والدراسات المتخصصة التي امتاز فيها، رحمه الله، بالأسلوب العلمي الموضوعي والنهج النقدي الراقي، حيث يعد مدرسة أدبية وثقافية يحتذى أثرها على المستويات المحلية والعربية.
وقال إن الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، الذي رحل أمس الخميس 26 ديسمبر 2024م، ونعاه الديوان الملكي، كان من أبرز الوجوه الثقافية التي تفتخر بها مملكة البحرين، إذ إنه يعتبر من رواد الدراسات الإنسانية والاجتماعية، ليس على المستوى البحريني فقط، وإنما على المستوى العربي والعالمي، نظير ما قدمه من عطاء ممتد من أعمال أدبية وفكرية.
وأضاف وزير الإعلام لقد كان الفقيد، رحمه الله، مفكرًا شاملًا في مجالات الاجتماع والسياسة والنقد الأدبي والثقافة، وشكلت كتاباته مرجعًا قيمًا لكل مهتم بشأن الأمة؛ لأنها قدمت مزيجًا منهجيًا يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
ودعا وزير الإعلام الله تعالى أن يتغمد فقيد الفكر والثقافة الدكتور محمد جابر الأنصاري بواسع رحمته وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدمه لوطنه وأمته خير الجزاء.
هذا وحظي الدكتور محمد جابر الأنصاري، رحمه الله، بتقدير كبير من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، باعتباره رائدًا من رواد الفكر على المستويين المحلي والعربي، واختاره جلالته، عندما كان وليًا للعهد عام 1989 مستشارًا ثقافيًا وعلميًا في ديوان ولي العهد، كما حظي، رحمه الله، بالتقدير السامي من جلالة الملك المعظم بمنحه وسام صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، من الدرجة الأولى في عام 2000م، ووسام البحرين من الدرجة الأولى من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، في عام 2006م. وحرص جلالته على الالتقاء به وزيارته، حيث أشاد جلالته بجهود الدكتور الأنصاري وإبداعاته المتميزة في المجالات الفكرية والثقافية.
وعبر مشواره الفكري الطويل والغزير، أثرى الدكتور محمد جابر الأنصاري بالعديد من المؤلفات، والأعمال الفكرية السياسية والثقافية، كما كان له إسهام بارز بمقالاته في صحف محلية وعربية.
وتقديرًا لعطاءاته، حاز د. الأنصاري العديد من الجوائز المحلية والدولية، فمحليًا حصل على جائزة الدولة التقديرية في الإنتاج الفكري عام 1998م، وميدالية ذهبية من صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، كأول بحريني يحصل على الماجستير في الأدب، ووسام اليوبيل الذهبي للتعليم عام 1996م.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، نال د. الأنصاري جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1981، وجائزة سلطان العويس في الدراسات القومية والمستقبلية، وجائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر، ووسام قادة دول الخليج العربي في قمة عُمان بمسقط في 1998م، والميدالية الذهبية الكبرى من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» عام 1987م، إلى جانب التقدير والجوائز المتعددة من جامعة الخليج العربي ووزارة الإعلام في مملكة البحرين ومؤسسات تربوية، وعلمية، وثقافية عربية ودولية.
إن الإرث والعطاء الفكري الذي تركه الدكتور محمد جابر الأنصاري، رحمه الله، على مدى 7 عقود، جعل منه بحق أحد المؤثرين في مسيرة الفكر العربي، بما صاغته أطروحاته من رؤى استشرافية تمزج بين الأصالة والتجديد، وأسست لمنهجية فكرية متميزة تجمع بين الموضوعية في الطرح والعمق في التحليل، مما يجعل من نتاجه الفكري مرجعاً أساسياً قيماً للباحثين والدارسين في مختلف المجالات.
هيئة الثقافة: الوسط الثقافي والعلمي سيفتقد قامة أدبية رفيعة
استذكرت هيئة البحرين للثقافة والآثار مناقب الكاتب والمفكر البحريني الراحل الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية وأحد أبرز روّاد الحركة الفكرية والثقافية في مملكة البحرين، والذي رحل تاركاً وراءه إرثاً من العطاء يمتد الى سبعة عقود.
وصرح الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: «تودّع الحركة الثقافية البحرينية اليوم بكل حزن وأسى الكاتب والمفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري»، مؤكداً أن الوسط الثقافي والعلمي سيفتقد قامة أدبية رفيعة ساهمت في إثراء الحراك المحلي والإقليمي بنتاجات في مجالات الاجتماع والسياسة والنقد الأدبي والتي ستبقى مرجعاً لكل الباحثين والكتاب والأدباء، موضحاً أن الدكتور الأنصاري يمثل رمزاً وطنيّاً وفكريّاً.
يذكر أن الدكتور الأنصاري حاصل على دكتوراه في الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة في اللغة والحضارة الفرنسية من السوربون في فرنسا، وشغل عدة مناصب منها رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة بالبحرين (1969-1971)، وهو من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب وأول رئيس لها، كما شارك في مجلس تأسيس معهد العالم العربي. شغل منصب عميد كلية الدراسات العليا وأستاذ الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر بجامعة الخليج العربي، وكان عضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في البحرين.
وتميزت أعماله باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة، حصل على عدة جوائز من أهمها: جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتابه تحولات الفكر، جائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري في البحرين، وسام قادة مجلس التعاون في قمة مسقط، له مؤلفات عديدة يصل عددها إلى 21 كتاباً إضافة إلى مجموعة كبيرة من المقالات الأدبية المنشورة.
الشيخة مي بنت محمد: الراحل ترك
بصمة لا تنسى في الفكر العربي والثقافة
نعت الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الكاتب والمفكر الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري.
وقالت: في رحيل المفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري، عزاؤنا أنه ترك بصمة لا تُنسى في الفكر العربي والثقافة، ستبقى أعماله وإرثه الفكري للأجيال القادمة، الرحمة لروحه، والعزاء لأهله ولكل محبيه.
جامعة الخليج العربي: الأنصاري
كان نموذجا فريدا للمفكر العربي
نعى رئيسُ جامعة الخليج العربي الدكتور سعد بن سعود آل فهيد فقيدَ الأمتين العربية والإسلامية، مستشارَ جلالة ملك مملكة البحرين للشؤون الثقافية والعلمية، وأحد مؤسسي جامعة الخليج العربي المفكر الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري.
وقال رئيس الجامعة: ببالغ الحزن والأسى، تنعى جامعة الخليج العربي ممثلة بكافّة منسوبيها وطلابها وخرّيجيها، المفكر البحريني الكبير أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، عميد كلية الدراسات العليا الأسبق بجامعة الخليج العربي الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والعلمي.
مؤكداً أنّ الدكتور الأنصاري كان نموذجًا فريدًا للمفكر العربي الذي كرّس حياته لخدمة قضايا الأمة، حيث أثرى المكتبة العربية بإسهاماته الفكرية التي عبرت عن رؤية عميقة للحضارة العربية والإسلامية، وقدم إسهامات نوعية في مجالات الفكر، والأدب، والثقافة.
ويُذكر أنّ الدكتور الأنصاري أحد أعمدة جامعة الخليج العربيّ المؤسّسين، حيث تفتخرُ الجامعةُ بإرثه العلمي والفكريّ الذي ساهم في تعزيز رسالة الجامعة كمنارة للعلم والمعرفة في المنطقة، والذي سيظلّ بإذن الله مصدر إلهام للأجيال القادمة.
وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم أسرة جامعة الخليج العربي بخالص العزاء والمواساة لعائلة الفقيد وللشعب البحريني والعالم العربي، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
خسارة الفقد
لا شك أن وفاة المفكر البحريني الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري، تعد واحدة من الخسارات التي لا تخصّ مملكة البحرين وحدها، بل تعمّ الوطن العربي بأسره، لأنه أثّر في الكثير من المهتمين العرب في مشرق الوطن ومغربه.
لقد كانت سيرة الدكتور الأنصاري مثالاً لأبناء عصره وجيله، إذ كان نشطاً منذ كان طالباً في الجامعة الأمريكية في بيروت، ولافتاً للأنظار في صحافتنا، وكان معلّماً، وأحد أبرز مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب في سنة 1969، وكان وزيراً للإعلام في دولة البحرين بعد استقلالها، وعندما غادر الوزارة للمزيد من طلب العلم شرّع نوافذه أكثر للثقافات، وبدأت ملامح مشروعه الفكري في النضوج.
عرفت الدكتور الأنصاري (رحمه الله) منذ التحاقه بجامعة الخليج العربي حيث كنت أعمل، وذلك من خلال كونه أستاذاً ومشرفاً ومؤسساً لمادة الثقافة الإسلامية التي يدرسها الطلبة، فلقد كان مؤثراً في كل من تعامل معه، يجذب الآخرين بلطفه وغزارة علمه وأسلوبه المميز في الحديث والنقاش، لذلك حظيت محاضراته ومناقشاته، وإسهاماته المختلفة في الجامعة، وخارجها كذلك، بالكثير من التفاعل، ما جعل من وجوده في أي محفل، قيمة علمية وفكرية عالية.
رحم الله فقيدنا الغالي، وجزاه الله خير الجزاء بما قدّم للفكر العربي من إسهامات رائدة، والتفاتات لم يسبقه إليها أحد، سائلاً المولى عز وجل أن يلهمنا، ويلهم ذويه الصبر والسلوان.
الأستاذ الدكتور رياض حمزة
أسرة الأدباء والكتاب تنعى الدكتور محمد الأنصاري
د. صفاء العلوي: لمست إعجاب المثقفين بفكره أثناء كتابتي لسيرته
نعت أسرة الأدباء والكتاب أول رئيس لها الدكتور محمد جابر الأنصاري عبر حساباتها الرسمية قائلةً: «إنا لله وإنا إليه راجعون، ببالغ الأسى وعميق الحزن ينعى مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتاب وأعضاء الأسرة وجميع منتسبيها المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، من المؤسسين لأسرة الأدباء والكتاب وأول رئيس لها عام 1969م، سائلين الله العلي القدير أن يتغمده بوافر رحمته ويسكنه فسيح جناته، وسيبقى الفقيد خالدًا بعطائه في قلوبنا جميعًا».
نعت الدكتورة صفاء العلوي، الأمين العام لأسرة الأدباء والكتاب، الدكتور محمد جابر الأنصاري بقولها: «كان الدكتور الأنصاري مفكرًا وباحثًا وأديبًا وناقدًا، ليس فقط على مستوى مملكة البحرين، بل على مستوى الوطن العربي بأسره. وُلد في المحرق، مركز الثقافة والعلم، ودرس في مدرسة الهداية الخليفية، ثم في أعرق الجامعات، يُعد مدرسة فكرية متكاملة ومن أبرز المثقفين العرب الذين تناولوا قضايا الفكر والثقافة والمجتمع العربي برؤية نقدية شاملة. وذكرت أن الأنصاري يعد قامة ثقافية ومن مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب وأول رئيس لها. بفقدانه، خسرت مملكة البحرين أحد رموزها الثقافية على المستويين المحلي والعربي».
وأضافت: «لقد اختتمتُ مؤلفاتي بكتابة سيرته، ومن خلال ذلك، التقيتُ بالمقربين منه، ولمستُ إعجاب المثقفين بفكره واحترامهم لقامته النيرة. برحيله، فقدت البحرين والأمة العربية قامة فكرية نيرة تركت بصمات واضحة في مسيرة الفكر والثقافة. نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان».
الأدباء والمثقفون داخل وخارج البحرين ينعون المفكر الكبير
نعى رواد مواقع التواصل الاجتماعي البحريني والعربي الدكتور محمد جابر الأنصاري، الذي وافاه الأجل أمس الخميس، حيث نعت الدكتورة معصومة المطاوعة، أستاذ التربية المشارك في جامعة البحرين، أمين عام مركز عبدالرحمن كانو الثقافي، قائلةً: «عظم الله أجر البحرين والفكر والثقافة بوفاة المغفور له أستاذنا القدير الدكتور محمد جابر الأنصاري، لقد فقدنا بوفاة الدكتور الأنصاري علامة بارزة في تاريخ وحاضر مملكة البحرين، فما قدمه الدكتور الأنصاري من دراسات وبحوث ومقالات كان لها تأثير بارز في تشكيل الحركة الثقافية والفكرية في مملكة البحرين والمنطقة، ولا يخفى على كل من عرف الدكتور الأنصاري عطاؤه الأكاديمي والبحثي ومواقفه الداعمة للطلبة والمثقفين واجتهاده الدائم بتقديم المساندة والتوجيه لما يخدم الأفراد والمؤسسات لتحقيق أهدافها الفكرية، ولا ننسى دوره في تأسيس أسرة الأدباء والكتاب ورئاسته لها، ودوره في تأسيس جائزة عيسى لخدمة الإنسانية، وغيرها من الاجتهادات التي يصعب حصرها، إضافة إلى ما حققته كتاباته الفكرية من تأثير في وجدان جميع من قرأ له، فقد كان أب الثقافة الروحي، وكنا نغرف من معين خبراته وأفكاره طوال السنوات التي مضت وسنظل، فما امتلكه الفقيد الأنصاري وما أورثه لنا سيظل علمًا وخلقًا وأدبًا تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل، فعظم الله لنا الأجر وألهمنا وأهله ومحبيه جميعا الصبر والسلوان ونسأل الله أن يجعل مثواه الجنة، إنا لله وإنا اليه راجعون».
استذكر الدكتور أحمد عبدالملك أكاديمي وروائي قطري عبر حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: «فقدت الساحة الثقافية رمزا من رموز الأدب، هو الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشار ملك البحرين للشؤون الثقافية والعلمية، وهو صاحب قلم وفكر مستنير، وله العديد من المؤلفات الأدبية والفكرية، وساهم في مناصرة قضايا الرأي ورصانة الصحافة، رحمه الله واسكنه فسيح جناته».
ومن جانبه، استذكر عبدالغفار حسين كاتب اماراتي عبر حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: «حزنت لخبر رحيل الدكتور محمد جابر الأنصاري المفكر والكاتب والمعلم البحريني، وقد عرفت الأنصاري ومكانته الفكرية عن طريق صديقه المرحوم تريم عمران الشخصية الإمارتية المعروفة ومؤسس دار الخليج، وكان اللقاءات بيننا مكررة وعديدة في مناسبات مختلفة، رحم الله أستاذنا الكبير وأسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون».
رحيل رائد الدراسات الاستشرافية
المستقبلية في العالم العربي
برحيل المفكر البحريني الأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري المستشار الثقافي لجلالة الملك المعظم يترجل عن المشهد الثقافي والفكري العربي أحد أهم الرموز التأسيسيّة لمشروع نقد الفكر العربيّ، وتجديد المشروع النهضوي بعد أن فقدت الساحة العربيّة قبل سنوات المفكر المغربيّ محمد عابد الجابري الذي يتقاطع مشروعه الفكري النقدي مع مشروع الأنصاري في إحداث تلك المساءلات النقدية الفلسفية الاستشرافيّة المستقبليّة لأسئلة النهضة العربية باكتشاف الذات ونقدها، وإن اختلفت المنهجيات بينهما في طبيعة المعالجات الخاصة بمدوّنات النصوص وتفكيكها. لقد عاد الأنصاري إلى التراث العربيّ الإسلاميّ، وعاد إلى تشخيص الواقع العربيّ في أبعاده الحضارية، والسياسيّة، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعيّة بحثًا عن الفكر العربيّ وصراع الأضداد بعد أن كتب عن تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية. ولقد كان سابقًا في الدراسات المستقبليّة في كتابه (العالم والعرب سنة 2000). ولا ننسى أن الفقيد الراحل كان من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب وكان أول رئيس لها، كما كانت له كتابات منهجية نقدية تناولت نتاج بعض أدباء البحرين المعاصرين. رحم الله الفقيد الراحل الذي لُقِب بابن خلدون العصر الحديث، والذي أسس بمؤلفاته الثرية مكتبة عربية مرجعية أصيلة في مجالها، وسيبقى إرثه التأسيسي مرجعًا أصيلاً للأجيال الحالية والمستقبليّة.
الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي
يرحل المفكرون.. ويظل فكرهم باقيا بيننا
{ بقلم:
الدكتور راشد نجم.
لقد فقدت مملكة البحرين برحيل المفكر العربي الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري اسما مضيئاً في عالم الثقافة العربية، فهو يعتبر واحداً من المفكرين العرب الذين حملوا مشروعاً نقديّاً للفكر العربي المتطلع إلى تجديد المشروع النهضوي العربي، وهو قامة ثقافية سامقة، ورمز مبدع في الحراك الأدبي والثقافي في البحرين كأحد المثقفين الذين أثروا هذا الحراك باهتماماته وكتاباته منذ الستينيات ومتابعته نتاج الأدب الجديد في ذلك الوقت والكتابة عنه في الصحافة المحلية لما كان يستشعره - رحمة الله عليه - من دور كبير للأدب في التنمية الثقافية في المجتمع.
كانت مقالاته التي ينشرها في جريدة الأضواء تهتم برصد التجربة الأدبية الشابة التي بدأت تلفت الأنظار اليها سواء في فضاء الشعر او السرد او المقالات الأدبية. ففي فترة منتصف الستينيات بدأت تبرز اتجاهات وتجارب جديدة في كتابة قصيدة الشعر الحديثة لغة وموضوعاً وصياغة تختلف في مضامينها وتوجهاتها عن قصائد الشعراء الرموز الذين كانوا يتسيدون الساحة الأدبية في ذلك الوقت، وكذلك في مجال كتابة القصة القصيرة.
أما على المستوى الشخصي فأنا أعرف الراحل العزيز الدكتور محمد جابر الأنصاري قبل بدايات تأسيس أسرة الأدباء والكتاب عام 1969 حيث كان يسكن شمال مدينة المحرق «فريج الغاوي» وأنا أسكن «فريج المري»، فكلانا من هذه المدينة العريقة وأحياؤنا متقاربة.. كان شعلة من النشاط والحيوية والاهتمامات الأدبية.. وكنا نلتقي بين الفينة والأخرى حتى التقينا في منزله مع مجموعة من مؤسسي الأسرة منهم «علي عبدالله خليفة، قاسم حداد، أحمد المناعي، خليفة العريفي، محمد الماجد» للتباحث حول فكرة تأسيس كيان أدبي للأدباء الشباب الذين كنا نمثلهم في ذلك الوقت، فوجدنا المساندة والدعم الكبير من الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي سعى لدى الجهات الرسمية عندما كان رئيساً للإعلام وعضواً في مجلس الدولة لتذليل صعوبات الحصول على الترخيص الرسمي، فتم اختياره كأول رئيس لأسرة الأدباء والكتاب حيث ساهم بأفكاره في رسم ملامح هذا الكيان الأدبي الجديد وتحديد توجهاته، فقد كان الوحيد بيننا في ذلك الوقت الحاصل على درجة الماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966 من الجامعة الأمريكية ببيروت، ويبشر ببروز ناقد بحريني في مجال الأدب يتسم بالكفاءة الأكاديمية والعلمية التي تفتح له آفاقاً من الدراسات والبحوث التي كان يحتاج إليها الحراك الأدبي الشاب والنشط في تلك الفترة. فكان اختيار الشعار الذي توافق عليه جميع المؤسسين ومازالت أسرة الأدباء والكتاب تفخر به لأكثر من نصف قرن من الزمن وهو «الكلمة من أجل الإنسان».
بدأ الدكتور الأنصاري يهتم بالجانب الثقافي والحضاري والاجتماعي للبحرين ومنطقة الخليج العربي ويرصد التحولات التي كان يعيشها لأنه المدخل السليم لفهم المجتمعات ودراسة احتمالات سلوكها وتطورها. فأصدر كتابه القيم «لمحات من الخليج العربي» في ابريل عام 1970 وهي دراسات في تاريخ الخليج العربي وثقافته ورجاله وفولكلوره الشعبي. وفي رأي المتواضع أن هذا الكتاب هو بداية اهتمام الدكتور الأنصاري بدراسة الجوانب الاجتماعية والفكرية للمجتمع الخليجي والتي تطورت بعد ذلك الى الاهتمام بالوطن العربي وتحولاته الفكرية والتي انطلق منها مشروعه الفكري والنهضوي.
وعلى الجانب الآخر كان هناك هاجس ما يمكن قراءته من خلال مقالات الدكتور الأنصاري التي كان ينشرها في الصحافة.. هاجس يتوارى خلف الكلمات والعبارات أبعد من مجرد النقد الأدبي أو الشأن الثقافي، بدأه بالاهتمام بالشئون السياسية، وهو بوابة جديدة على عالم أوسع من الكتابة النقدية، حيث الفضاء الرحب للتحليل والربط بين المعطيات والخروج بتصورات وسيناريوهات تقترب من العقل والفكر أكثر من اقترابها من الأدب، بدأها بالكتابة في الصحف والدوريات الخليجية والعربية. وفي رأي الشخصي أن مفتاح هذه البوابة كان دراسته للدكتوراه في مجال قابل للجدل واختلاف وجهات النظر والشروع في البحث عن أرضية مغايرة، حيث كان موضوع أطروحته للدكتوراه في عام 1979 من الجامعة الأمريكية في بيروت هو «الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة» حيث بدأ منها رحلة جديدة من الاشتغال على مشروع فكري خاص به يهتم بنقد الفكر والواقع العربي، فقام بتحليل المجتمعات العربية والإسلامية ودراسة الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تسود المجتمعات العربية عبر كتابه «تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، 1930-1970»، الذي صدر في الكويت عام 1980، ثم توالت الدراسات والبحوث في هذا الاتجاه الفكري والنقدي.
ويمكن تلخيص مشروع الدكتور الأنصاري في اتجاهين فكريين هما: نقد الفكر العربي ونشر في ذلك عدة كتب لعل أهمها «مساءلة الهزيمة: جديد الفكر العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية»، ثم مشروع نقد الواقع العربي ولعل أهم المؤلفات التي نشرها عن هذا المشروع كتاب «تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القُطرية» وفي كلا المشروعين تميّز الدكتور الأنصاري بمنهج بحثي يعتمد على التحليل العلمي الرصين عميق الدلالات والاستشهادات، قوي الحجج والمقارنات، ما مكّن مشروعه من الانتشار على مستوى الوطن العربي وأثار جدلاً فكريّاً واسعاً بين المؤيدين له والمعارضين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية.
إن الراحل الكبير والمفكر العربي الدكتور محمد جابر الانصاري هو رحلة طويلة من العمر امتدت الى أكثر من نصف قرن، رسمت خيوطها اشعاعاً ونوراً أدبيّاً وثقافيّاً وفكريّاً، سافر من هذه الجزيرة المضيئة والساحرة البحرين الى كافة أرجاء الوطن العربي ليسهم مع غيره من المفكرين العرب في إضاءة جوانب الحياة الفكرية ويعطي إجابات مقنعة للعديد من الأسئلة الشائكة.. فوضع البحرين على خارطة المفكرين العرب المتطلعين الى تجديد المشروع النهضوي من خلال كتاباتهم في نقد الفكر العربي السائد.
رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان.. فبرحيلك تفقد البحرين والعالم العربي رجلاً مثقفاً ومفكراً مميزاً أثرى بكتاباته جوانب كثيرة من حياتنا الأدبية والثقافية والفكرية.. فالمفكرون يرحلون، ولكن يبقى فكرهم حاضراً بيننا.
رئيس أسرة الأدباء والكتاب
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك