العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عربية ودولية

معتقلون سابقون في «فرع فلسطين» في دمشق يصفون «اليأس» من زنزانات الماضي

الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

دمشق‭ - (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭): ‬بعد‭ ‬أيّام‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬عاد‭ ‬محمد‭ ‬درويش‭ ‬إلى‭ ‬الزنزانة‭ ‬رقم‭ ‬تسعة‭ ‬في‭ ‬‮«‬فرع‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬فروع‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬حيث‭ ‬أوقف‭ ‬قيد‭ ‬التحقيق‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬يوما‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬متحدثا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬اليأس‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬راوده‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭. ‬في‭ ‬الزنزانة‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬الكبير‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬طوابق‭ ‬عدة،‭ ‬تنتشر‭ ‬رائحة‭ ‬العفن‭ ‬ومياه‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬الأروقة‭ ‬بين‭ ‬الزنزانات‭.  ‬

لا‭ ‬نافذة‭ ‬تدخل‭ ‬الضوء‭ ‬من‭ ‬الجدران‭ ‬السوداء‭ ‬المليئة‭ ‬بالدبق‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬بالكاد‭ ‬اتسعت‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬شخص‭. ‬وهذا‭ ‬الفرع‭ ‬الذي‭ ‬يخشاه‭ ‬السوريون‭ ‬كثيرا،‭ ‬كان‭ ‬يستقبل‭ ‬خصوصا‭ ‬موقوفين‭ ‬بتهم‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬لكنّ‭ ‬كثرا‭ ‬يدخلونه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬التحقيق‭ ‬وتنقطع‭ ‬أخبارهم‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬ذويهم‭. ‬ودخل‭ ‬الصحفي‭ ‬محمد‭ ‬درويش‭ (‬34‭ ‬عاما‭) ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬في‭ ‬فرع‭ ‬فلسطين‭ ‬مدة‭ ‬120‭ ‬يوما‭ ‬قيد‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬بتهمة‭ ‬‮«‬تمويل‭ ‬الإرهاب‭ ‬بالمعلومات،‭ ‬والترويج‭ ‬للإرهاب‮»‬‭.‬

في‭ ‬الزنزانة‭ ‬رقم‭ ‬تسعة،‭ ‬يتذكّر‭ ‬البقعة‭ ‬الضيقة‭ ‬التي‭ ‬حجر‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬خمسين‭ ‬آخرين‭ ‬لإصابتهم‭ ‬بالسلّ‭. ‬يتذكّر‭ ‬الشاب‭ ‬التركي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موقوفا‭ ‬معهم‭ ‬وأصيب‭ ‬بـ«الجنون‮»‬‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬قوله‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الضرب‭. ‬ويروي‭ ‬الشاب‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬حققوا‭ ‬معهم،‭ ‬لأن‭ ‬تهمتي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬جدا،‭ ‬تهمة‭ ‬الإعلام،‭ ‬كانوا‭ ‬يحققون‭ ‬معي‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬ومرة‭ ‬في‭ ‬المساء‮»‬‭. ‬ويضيف‭: ‬‮«‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬المسلح‭ ‬برصاصة‭ ‬يقتل‭ ‬شخصا‭ ‬واحدا،‭ ‬بينما‭ ‬أنا‭ ‬بكلمتي‭ ‬أقتل‭ ‬الآلاف‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يصور‭ ‬تقارير‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬الخدمي‭ ‬في‭ ‬دمشق‭.  ‬

وبعدما‭ ‬نقل‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬آخر،‭ ‬خرج‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬التوقيف‭ ‬العرفي‮»‬‭. ‬ويصف‭ ‬الشعور‭ ‬خلف‭ ‬القضبان‭ ‬‮«‬بشعور‭ ‬فقدان‭ ‬الأمل‭ ‬واليأس،‭ ‬عندما‭ ‬يغلقون‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬عليك،‭ ‬تفقد‭ ‬الأمل‭ ‬بالغد،‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬شهدت‭ ‬مآسي،‭ ‬عائلات‭ ‬فقدت‭ ‬معيلها‭ ‬فقدت‭ ‬أباها‭ ‬فقدت‭ ‬أخاها‮»‬‭.‬

ويتابع‭: ‬‮«‬يكفي‭ ‬كنتيجة‭ ‬لهذه‭ ‬الثورة‭ ‬كلها،‭ ‬إنهاء‭ ‬الاعتقال‭ ‬القسري‭ ‬والعرفي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تهمة‭ ‬واضحة‮»‬‭.  ‬

وفرغ‭ ‬‮«‬فرع‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الفرع‭ ‬235‭ ‬في‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية،‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬العناصر‭ ‬الأمنية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬الأحد‭. ‬لكنّ‭ ‬زواره‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬محمد،‭ ‬هم‭ ‬موقوفون‭ ‬سابقون‭ ‬جاؤوا‭ ‬تحديا‭ ‬للألم‭ ‬الذي‭ ‬عانوه‭ ‬هنا،‭ ‬أو‭ ‬تحديا‭ ‬للخوف‭. ‬آخرون‭ ‬قرروا‭ ‬زيارة‭ ‬المكان‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬والأوراق‭ ‬والملفات‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬فيه‭ ‬علّهم‭ ‬يجدون‭ ‬قريبا‭ ‬لهم‭ ‬فقد‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬السورية‭ ‬ولم‭ ‬يسمعوا‭ ‬عنه‭ ‬خبرا،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬كثر‭ ‬منذ‭ ‬سقط‭ ‬حكم‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭.  ‬

في‭ ‬غرفة‭ ‬سوداء‭ ‬توزعت‭ ‬فيها‭ ‬آلاف‭ ‬الأوراق‭ ‬والملفات،‭ ‬وقفت‭ ‬امرأة‭ ‬وهي‭ ‬تقلب‭ ‬بين‭ ‬بطاقات‭ ‬هوية‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬قريب‭ ‬لها‭. ‬وتقول‭ ‬فيما‭ ‬غطت‭ ‬وجهها‭ ‬بوشاح‭ ‬رمادي‭ ‬إن‭ ‬‮«‬اليائس‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬خيط‮»‬‭ ‬يوصله‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يريد،‭ ‬مفضلة‭ ‬عدم‭ ‬كشف‭ ‬اسمها‭. ‬آلاف‭ ‬فعلوا‭ ‬مثلها‭ ‬منذ‭ ‬الأحد‭ ‬حين‭ ‬فتحت‭ ‬أبواب‭ ‬السجون‭ ‬والمقرات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬سوريا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬سجن‭ ‬صيدنايا‭ ‬السيئ‭ ‬الصيت‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا