العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨١ - السبت ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٧ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

مقالات

صنع بعزيمة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

ازدادت‭ ‬البحرين‭ ‬تميّزاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صون‭ ‬وحماية‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وحرياته‭ ‬الأساسية‭ ‬عندما‭ ‬أصدرت‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة‭ ‬رقم‭ ‬17‭ ‬لسنة‭ ‬2018،‭ ‬وهو‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬شُرّع‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية‭ ‬والأمان‭ ‬ومنحهما‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضمانات‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحريّة‭ ‬الشخصية‭ ‬كحقّ‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يجوز‭ ‬للسلطة‭ ‬تقييدها‭ ‬لأسباب‭ ‬جنائية‭ (‬تنفيذاً‭ ‬لعقوبة‭ ‬أو‭ ‬لإجراء‭ ‬احترازي‭) ‬ولأسبابٍ‭ ‬غير‭ ‬جنائية‭ (‬حماية‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‭ ‬والأمن‭ ‬وقوانين‭ ‬الهجرة‭ ‬والإقامة‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬الدولة،‭ ‬ولأسباب‭ ‬تربوية‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬لذا‭ ‬جاء‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬والتدابير‭ ‬البديلة‭ ‬ليمنح‭ ‬للمحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬بعقوبات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭ ‬والمحتجزين‭ ‬احتياطيّاً‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬التحقيق،‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬وفرصة‭ ‬أخرى‭ ‬لممارسة‭ ‬حياتهم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتي‭ ‬قوامها‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية،‭ ‬لأسبابٍ‭ ‬عدة‭ ‬أهمها‭ ‬تعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والتي‭ ‬تُعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬الفكر‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬ومشروع‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬ولا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬أهمية‭ ‬كون‭ ‬موضوع‭ ‬ادماج‭ ‬المحكوم‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬واعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الصواب‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬المواطنة‭ ‬الصالحة‭ ‬بدواخلهم‭ ‬وجعلهم‭ ‬منتجين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬بقائهم‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬الإصلاحية‭ ‬عبئاً‭ ‬على‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة،‭ ‬وهي‭ ‬فكرة‭ ‬متقدمة‭ ‬جداً‭ ‬وملائمة‭ ‬للظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمرحلة،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأخرى‭ ‬والمرتبطة‭ ‬بأسرة‭ ‬المحكوم‭ ‬عليه‭ ‬والتي‭ ‬يُشكّل‭ ‬وجوده‭ ‬بين‭ ‬أفرادها‭ ‬عاملاً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬استقرارها‭ ‬واكتفائها‭ ‬من‭ ‬نواحٍ‭ ‬عدّة‭.‬

ونعلم‭ ‬بأن‭ ‬المؤسسات‭ ‬التأهيلية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬يقضي‭ ‬فيها‭ ‬النزلاء‭ ‬المحكومون‭ ‬فترات‭ ‬محكوميتهم،‭ ‬تعج‭ ‬بالبرامج‭ ‬التعليمية‭ ‬والتدريبية‭ ‬والترفيهية‭ ‬للنزلاء،‭ ‬وفي‭ ‬برنامج‭ ‬السجون‭ ‬المفتوحة‭ ‬الذي‭ ‬يُشكل‭ ‬انجازاً‭ ‬نوعيّاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬نموذج‭ ‬فريد‭ ‬يجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬حيث‭ ‬يضم‭ ‬قاعة‭ ‬للألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والسينما‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بمشاهدة‭ ‬المباريات،‭ ‬وأيضا‭ ‬قاعة‭ ‬للألعاب‭ ‬الذهنية‭ ‬والشعبية،‭ ‬وكذلك‭ ‬خدمة‭ ‬الاتصالات‭ ‬المرئية‭ ‬للمستفيدين‭.‬

وهنا،‭ ‬يهمني‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة‭ ‬تسنى‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أشهدها‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬الهاشمية‭ ‬الشقيقة،‭ ‬حيث‭ ‬سنحت‭ ‬لي‭ ‬الفرصة‭ ‬لحضور‭ ‬معرض‭ ‬أنيق‭ ‬جداً‭ ‬بعنوان‭ (‬صُنع‭ ‬بعزيمة‭) ‬لمنتجاتٍ‭ ‬صُنعت‭ ‬بأيادي‭ ‬نُزلاء‭ ‬مراكز‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭  ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسويق‭ ‬العملية‭ ‬الإصلاحية‭ ‬التي‭ ‬تبنّتها‭ ‬مديرية‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬لتمكين‭ ‬النزلاء‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬قدراتهم‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الافراج‭ ‬واكسابهم‭ ‬مهارات‭ ‬حقيقية‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والعودة‭ ‬كمواطنين‭ ‬صالحين‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬بهدف‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬العوز،‭ ‬بجانب‭ ‬تحفيز‭ ‬العملية‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتطويرها‭ ‬داخل‭ ‬مراكز‭ ‬الإصلاح‭ ‬وربطها‭ ‬بمتطلبات‭ ‬السوق‭ ‬بما‭ ‬يوفر‭ ‬مصدر‭ ‬دخل‭ ‬للنزلاء،‭ ‬والجميل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬هو‭ ‬مواكبته‭ ‬للتطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬إذ‭ ‬استخدم‭ ‬الوسائل‭ ‬الرقمية‭ ‬كوسيلة‭ ‬تسويق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انشاء‭ ‬منصة‭ ‬خاصة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬متجر‭ ‬الكتروني‭ ‬تابع‭ ‬للمديرية‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الانترنت‭ ‬لبيع‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬يصنعها‭ ‬النزلاء‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬التأهيل‭ ‬الحرفي‭ ‬المعتمد‭ ‬من‭ ‬الإدارة،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يُميّز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الريادي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬80%‭ ‬من‭ ‬عائد‭ ‬المبيعات‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬النزلاء‭ ‬وأسرهم‭ ‬مباشرة‭ ‬بينما‭ ‬يُخصص‭ ‬20%‭ ‬الباقي‭ ‬لتطوير‭ ‬المشاغل‭ ‬وشراء‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬للازمة‭ ‬للإنتاج‭.‬

إذا‭ ‬ينتهي‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬مصدر‭ ‬دخل‭ ‬للنزيل‭ ‬رغم‭ ‬تقييد‭ ‬حريته،‭ ‬فيكون‭ ‬عنصر‭ ‬بناء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬حتى‭ ‬أثناء‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتأهيل،‭ ‬وإلى‭ ‬اتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬أمام‭ ‬الجمهور‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬أو‭ ‬المقيمين‭ ‬أو‭ ‬الزائرين‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬منتجات‭ ‬نوعية‭ ‬وابداعية‭ ‬وفريدة‭ ‬بذاتها‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬نادرة‭ ‬بصنع‭ ‬اليد‭ ‬وبسهولة‭ ‬عبر‭ ‬المتجر‭ ‬الالكتروني‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المعرض‭ ‬الدائم‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬المبنى‭ ‬التراثي‭ ‬لقيادة‭ ‬البادية‭ ‬سابقاً‭  ‬في‭ ‬عمّان،‭ ‬والذي‭ ‬حالفني‭ ‬الحظ‭ ‬لأشهده‭ ‬أثناء‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬عشتار‭ ‬الدولي‭ ‬للشعر‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬السادسة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬بأنني‭ ‬حظيت‭ ‬بقطعي‭ ‬النادرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭.‬

شكراً‭ ‬وتقديراً‭ ‬مع‭ ‬صادق‭ ‬أمنيات‭ ‬التوفيق‭ ‬لكل‭ ‬جهد‭ ‬ولكل‭ ‬فكر‭ ‬يحترم‭ ‬الانسان‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬ظروفه،‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬عقوبة‭ ‬مقيّدة‭ ‬لحريته‭ ‬الشخصية‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا