إقليم «شينجيانغ».. تجربة فريدة تقدمها الصين لتعايش 56 قومية مثل «حبات الرمان»
أمين لجنة الحزب الحاكم: ملف «شينجيانغ» مسألة جوهرية.. وسنتصدى لكل محاولات الإساءة لتجانس القوميات
إمام مسجد عيد كاه: لا تصدقوا كل ما تسمعونه.. فمساجدنا تمولها الحكومة المركزية وحكومة الإقليم
في الشمال الغربي للصين، يمتد ذلك الإقليم العريق على مساحة 1.66 مليون كيلومتر مربع. ويتميز بأطول خط حدودي بري في الصين يمتد إلى أكثر من 5700 كيلومتر على حدود ثماني دول هي منغوليا وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند
منذ العصور القديمة، كان إقليم «شينجيانغ» ذاتي الحكم، جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية الصينية. وعرفت المنطقة بتعدد الأديان والقوميات والأعراق التي تصل الى 56 مجموعة عرقية بما فيها الإيغور، والهان، والكازاخ، والمغول، والهوي، والقرغيز، والمانش، وشيبيه، والطاجيك، ودور، والتتار الأوزبكي، والروس.
وعلى الرغم من الأغلبية المسلمة، تعيش في «شينجيانغ» مجموعة من الديانات الأخرى مثل البوذية والطاوية والبروتستانتية والكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.
ويشهد التاريخ المعاصر ان منطقة «شينجيانغ» تعتبر نموذجا للتعايش والوئام بين هذه القوميات بتجانس ووئام، لتشكل بذلك جزءا متكاملا للحضارة الصينية. ولكن.. لم يسلم هذا الإقليم المسالم من المحاولات التخريبية الإرهابية من جانب، والحملات المنظمة لتشويه صورة التعايش السلمي فيه. ومن تلك الحملات هو الترويج لتعرض مسلمي «شينجيانغ» وخاصة الأيغور للاضطهاد والظلم ومصادرة الحريات. وهي حملات شنتها دول ومؤسسات غربية ضد الصين. ولكن استطاعت «شينجيانغ» وبوحدة صفوفها أن تقف أمام تلك المحاولات الإعلامية، وتتغلب على العمليات الإرهابية، لتبقى اليوم القلب النابض لطريق الحرير والحزام.
ضمن فعاليات الندوة التي نظمتها الصين لوسائل الإعلام في الدول الشريكة في مبادرة الحزام وطريق الحرير التي ضمت مشاركة من 21 دولة، تجولت «أخبار الخليج» في إقليم «شينجيانغ» عشرة أيام، وزارت عددا من المدن مثل ارومتشي (عاصمة الإقليم)، وكورلا وكاشي، التقت خلالها عددا من القيادات الإسلامية، وزارت مراكز دينية، وعايشت احتفالات المسلمين بعيد الفطر المبارك. كما شاركت في ندوات وحلقات نقاشية حول التراث الديني في الصين وحرية المعتقدات، ووقفت على العديد من الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية المتقدمة التي تقدم للسكان المحليين في هذا الإقليم ذات الغالبية المسلمة.
ومن هنا تنطلق الحكاية.
حماية التعدد الثقافي
كيف استطاعت الصين حماية الثقافة التراثية للقوميات في «شينجيانغ»؟ سؤال يجيبنا عليه ليو بين، الرئيس الشرفي لاتحاد رابطة التبادل الثقافي في «شينجيانغ» في ندوة نظمت للإعلاميين، مشيرا الى أن الحكومة المركزية في الصين منذ قدم التاريخ تولي اهتمامات خاصة للثقافات القومية والحفاظ على التنوع الثقافي. كما تلتزم الصين بسياسة المساواة بين القوميات من ست نواحي هي التعليم والقوانين وحماية التنوع وانشاء الهيئات المتخصصة والتوعية وتنظيم الفعاليات والأنشطة المعنية بالتنوع الثقافي وحماية التراث المادي وغير المادي. وتشمل الإجراءات أيضا حرية استخدام اللغة والممارسات الدينية. لذلك هناك حوالي 52 صحيفة في إقليم «شينجيانغ» ناطقة بلغات الأقليات القومية، وهناك أكثر من 100 مكتبة عامة و60 متحفا وأكثر من 1000 مركز ثقافي للسكان المحليين.
من جانبه يقول وانغ جيانشيم، مدير إدارة اللغات الأجنبية بإقليم «شينجيانغ» ان بعض الدول الغربية تنشر اخبارا ملفقة حول «شينجيانغ» التي لها تاريخ طويل من التعايش بين مختلف الأقليات والاعراق. وظهرت محاولات إرهابية وتخريبية اضطرت الحكومة المركزية وحكومة «شينجيانغ» إلى رفع راية القانون لفرض الاستقرار وردع أعمال الشغب. لتبقى القوميات المتعددة التي تبلغ 56 قومية وتعيش كعائلة منسجمة مثل حبات الرمان، وتقدم الصين بذلك تجربة ذكية للعالم بشأن اندماج القوميات وضمان حقوق السكان المحليين. كما تتعايش مختلف الأديان مع بعضها بسلام وتمارس أنشطتها الدينية، وتتحدث مختلف الأقليات لغاتها الخاصة مع التشجيع على استخدام الرموز والتبادل الإنساني.
انتشار الإسلام
انطلاقا من دراسات امتدت أكثر من 40 عاما، يؤكد المؤرخ ومدير إدارة الدراسات الاجتماعية (ما بين يان) الذي ألف «الكتاب الأبيض» حول تاريخ الأديان والثقافات في «شينجيانغ»، أن هناك محاولات للإساءة إلى سمعة «شينجيانغ»، إلا ان الواقع يثبت أن ما يروج له الإعلام الغربي لا أساس له، حيث لم يفرض عقاب واحد على أي مواطن لأسباب دينية، كما أن حرية المعتقدات مكفولة بشكل يجعل جميع القوميات الـ56 في الإقليم تعيش بانسجام.
وأوضح أنه قبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، ولمئات السنين كانت هناك معارك بين المذاهب والأديان والقوميات. مثل تلك التي حدثت بين المسلمين والبوذيين لأربعة عقود. وبعد تأسيس الجمهورية، تأسست معاني حرية الأديان والمعتقدات لتكون مرتكزا اجتماعيا أساسيا.
وأوضح أنه مع دخول الإسلام في أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر، بدأ ينتشر بشكل واسع، حتى بات جميع الأيغور يؤمنون بالإسلام مع بداية القرن 16، وأصبح الإسلام هو الدين الرئيسي. وهناك أكثر من 24 ألفا و300 مسجد في الإقليم.
وأضاف: في الصين لا يوجد ما يسمى دين دولة، وبالتالي لا يفرض دين او مذهب معين على أحد، وهذه هي الحرية الحقيقية، حيث تعتبر المعتقدات من الأمور الخاصة بالأفراد. كما يتمتع المسلمون وغيرهم بفرص متساوية في التوظيف، بل توجد سياسة تفضيلية للمسلمين في بعض المجالات مثل امتحانات القبول في بعض الجامعات لجذب المميزين. لذلك ومن خلال زياراتي للعديد من الدول المسلمة وغير المسلمة يمكنني التأكيد أن وضع حرية المعتقدات في «شينجيانغ»، ليست اقل من الكثير من الدول الأخرى.
احتفالات العيد
ضمن جولاتها في مدينة «كاشغر» ذات الأغلبية المسلمة، تواجدت «أخبار الخليج» في المناطق الحيوية للمدينة يوم عيد الفطر السعيد، وكانت مظاهر الاحتفالات والرقصات التراثية والملابس الشعبية منتشرة في كل مكان، والملفت فيها أن المحتفلين لا يقتصرون على المسلمين فقط، وإنما جميع الأديان والقوميات يتشاركون مظاهر الاحتفال في جو اجتماعي بهيج.
وفي وسط المدينة، يقع مسجد «عيد كاه» الذي يرجع تاريخه إلى عام 1442، وبات مقصدا سياحيا مهما وساحة للاحتفالات الدينية، وتقام فيه الصلوات الخمس بشكل يومي إلى جانت صلاة الجمعة وصلاة العيدين وغيرها. والملاحظ هنا أن خطبة الجمعة تكون باللغة العربية وتم شرح الأحاديث باللغة الإيغورية.
وفي لقاء مع إمام المسجد، أكد أنه لا صحة تماما لما يروج له البعض من إغلاق مساجد أو التضييق على المسلمين، حيث يتمتع الجميع بحرية دينية، بل خصصت الحكومة المركزية وحكومة الإقليم أموالا لتجديد المساجد وصيانتها حتى في المناطق النائية، كما أن هناك مباني جديدة تبنى بشكل مستمر.
معهد الدراسات الإسلامية
وضمن الفعاليات، زارت «أخبار الخليج» معهد الدراسات الإسلامية الذي يعد واحدا من عشرة معاهد إسلامية في «شينجيانغ» إلى جانب 100 أكاديمية إسلامية، والتقت مديره الشيخ عبدالرقيب الصيني، الذي أوضح خلال جولة أن هناك فرعين أساسيين للمعهد تمولهما الحكومة المركزية وحكومة الإقليم بشكل كامل، ويستوعب المعهد اكثر من ألف طالب، كما يضم عدة مرافق منها مدرسة إسلامية وصفوف لتدريس القرآن والحديث وتاريخ الإسلام، كما يضم مكتبة تحتوي على 45 ألف كتاب إسلامي باللغة العربية والايغورية، ومكتبة الكترونية تضم 49 ألف كتاب، ومكتبة متخصصة للمجلات والصحف بمختلف اللغات حول العلوم الإسلامية.
ووسط ساحة المعهد، يقف مسجد كبير بشموخ على مساحة 1430 مترا مربعا، ويستوعب أكثر من ألف مصلٍ. وتقام فيه دروس القرآن والصلوات الخمس ومختلف المناسبات.
وقال الشيخ عبدالرقيب: هذا المعهد يدحض جميع الافتراءات التي تقال حول الحريات الدينية في «شينجيانغ». وفي إحدى المرات زارتنا مسؤولة كبيرة في منظمة حقوق إنسان دولية واطلعت على الحقيقة، ووعدتنا بأن تبذل قصارى جهدها لنشر الواقع. وعندما عادت إلى بلدها اصطدمت بتحديات كثيرة، وقدمت استقالتها احتجاجا على تلك الافتراءات.
وأضاف: مما نسمعه مثلا أنه لا يسمح بالصيام. وأنا حاليا صائم كوننا في آخر يوم من شهر رمضان المبارك. وكذلك جميع الطلاب والعاملين المسلمين هنا. حيث ان المادة 36 من دستور الصين تنص على حرية المعتقدات، وأن الدولة تحمي حقوقهم. وبذلك يتمتع المواطنون الصينيون بحرية اختيار الدين الذي يعتبر أمرا شخصيا. والأهم من ذلك هو أن أي دين او معتقد يتمتع بالمساواة القانونية.
وبسؤاله عما إذا كان يسمح للمسلمين باختيار أسماء إسلامية في وثائقهم الرسمية، أكد الشيخ عبدالرقيب أن هذا مسموح بدليل أنه وأفراد عائلته مسجلون بأسماء إسلامية باللغة الإنجليزية والايغورية.
خدمات للسكان المحليين
لا تقتصر الخدمات المقدمة في هذه المناطق ذات الأغلبية المسلمة على الجوانب الدينية، بل تشمل كافة المرافق والاحتياجات الاجتماعية والطبية والتعليمية وغيرها. ففي مدينة كاشي مثلا، زرنا المجمع الطبي (Second People’s Hospital of Kadhi Prefecture)) الذي يقدم كافة الخدمات الطبية للسكان المحليين وللمناطق النائية ذات الأغلبية المسلمة. ويتميز هذا المستشفى بمساهمته في العديد من الاختراعات الطبية وإشرافه على أكثر من 24 مركزا وفرعا صحيا. كما حقق المستشفى إنجازات إقليمية في علاج الأمراض المستعصية، كل ذلك بتمويل من الحكومة المركزية وحكومة الإقليم. وينظم المستشفى زيارات ميدانية للفرق الطبية إلى المناطق النائية يتم خلالها التشخيص والعلاج وإجراء العمليات الجراحية. كما يوفر تخصصات دقيقة وعمليات جراحية تعتبر الأولى من نوعها في إقليم «شينجيانغ» مثل تصفية الاوعية الدموية وجراحة القلب لحديثي الولادة.
والملفت هنا أن الحكومة تتحمل هنا 95% من كلفة الخدمات الطبية، و5% فقط يتحملها المريض.
ومن الخدمات التي تقدم للسكان المحليين أيضا، المجمعات السكنية الخاصة بالمتقاعدين وكبار السن خاصة من الشاغورين، والتي تضم إلى جانب السكن مرافق مختلف وفعاليات وانشطة متنوعة. وهناك الخدمات التعليمية المميزة للسكان المحليين بدءا من رياض الأطفال وصولا إلى التعليم الجامعي.
الحرب المعلوماتية
آلة الإعلام الغربي ضد الصين كانت محور محاضرة ألقاها (جون ليانغ) المحاضر بجامعة جينان الصينية بعنوان (الحرب المعلوماتية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين). وأكد ليانغ أنه كثيرا ما تروج وسائل الإعلام الغربية معلومات حول اضطهاد الأقليات وخاصة اليغورين. وهناك تعاون وثيق بين الإعلام الغربي والأمريكي ضد الصين، يوازي التعاون الوثيق ضد الصناعات الصينية التي تمثل تحديا حقيقيا لمنتجات تلك الدول.
وأضاف: الدول الغربية تمارس حربا إعلامية ومعلوماتية بشكل ممنهج لكنه بعيد عن الواقع. وتعمد إلى تزييف الحقائق حتى من خلال استغلال زاوية التصوير والإضاءة والمؤثرات التي تعطي انطباعات سلبية.
واستعرض المحاضر نماذج لمقاطع فيديو نشرتها بعض وسائل الاعلام الغربي وكيف عمدت إلى مؤثرات الذكاء الاصطناعي والمؤثرات السلبية التي تعطي انطباعا سيئا بما في ذلك الألوان والصور واستخدام العدسات الحمراء، كما عرض ليانغ الصور الاصلية قبل إدخال هذه المؤثرات عليها.
وقال: هم لا يريدون صينا حقيقية قوية ومتماسكة، بل هم يعمدون إلى هذه الأفعال لأن الصين تتصدر عالميا في مجال الاقتصاد، وتحقق تقدما صناعيا مطردا، وتطورات في سلاسل الإمداد والتجارة، وهم يعتبرون أن ذلك يشكل خطرا على مصالحهم. لذلك لم يكتفوا بذلك وإنما عمدوا حتى إلى حث بعض القوميات مثل الايغوريين على إثارة أعمال الشغب، ويستغلون هذا الملف بالتحديد للإساءة إلى الصين. كما عمدوا إلى تشويه الصورة الجميلة للصين وخاصة «شينجيانغ»، ليس هذا فحسب، وإنما يعمدون إلى ضرب الشركات الصينية ذات الاقتصاد الأخضر. وبالتالي أثبت الإعلام الغربي انه لا يوجد إعلام ليبرالي على الإطلاق، بل إعلام يزيف ما يريد.
اجتماع مع المسؤولين
من المحطات المهمة التي شاركت فيها «أخبار الخليج» ضمن ندوة وسائل الاعلام في الدول الشريكة في مبادرة الحزام وطريق الحرير، كان لقاء مع أمين لجنة الحزب الشيوعي الحاكم في إقليم «شينجيانغ» السيد (ما شينغروي) وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة. وشدد أمين لجنة الحزب على ما حققه إقليم «شينجيانغ» من إنجازات تنموية وتطويرية ملفتة على جميع الأصعدة بفضل دعم الحكومة المركزية واهتمامات الرئيس الصيني في الإصلاحات، حيث زار الإقليم مرتين خلال العامين الماضيين واكد مسألة مهمة هي تحقيق السعادة للشعب وللقوميات الـ56 في الإقليم كون «شينجيانغ» منطقة ذات قوميات وأديان متعددة تمثل بمجموعها أسرة كبيرة موحدة.
وأضاف: الرئيس الصيني يعتبر ملف «شينجيانغ» مسألة جوهرية، وقد وعدتنا الحكومة المركزية بأكثر من 560 مليار يوان من أجل التنمية والتطوير في الإقليم الذي يشهد انفتاحا مطردا، حيث بلغ عدد السياح في العام الماضي أكثر من 165 مليون سائح من الداخل والخارج. ويلعب الإقليم دورا اقتصاديا مهما، فمثلا 90% من القطن الصيني يزرع في «شينجيانغ».
وأكد «ما شينغروي» أن الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ستتصدى لكل المحاولات التي تحاول ان تشوه الواقع الجميل للسكان والتجانس القائم بينهم، بما في ذلك الدعاية الغربية التي لا تزال نشطة ضد الصين، وقال: لن نسمح بأي اعمال عنف وتطرف تضر بمصلحة الشعب والسكان المحليين، فمصلحة القوميات هي أكثر ما نركز عليه.
إجراءات محاربة الإرهاب خلقت مشهدا
جديدا في «شينجيانغ» منذ ٢٠١٦
للأسف لم يسلم هذا الإقليم الجميل ذو القوميات المتعددة من العمليات الإرهابية والتخريبية التي هددت السكان المحليين، حيث حاولت قوى إرهابية متطرفة نشر دعوات الانفصال وتأجيج الدعوات العرقية والتحريض الكراهية تحت شعارات مختلفة مثل «الوحدة الإسلامية»، حيث حرضوا المجموعات العرقية المسلمة الناطقة بالتركية على إنشاء ما يسمى «تركستان الشرقية». ومنذ في أواخر القرن التاسع عشر بدأوا بنشر الإسلام المتطرف واعمال الشغب والعنف.
وللأسف شهدت المنطقة انتشارا لأفكار التطرف ابتداء من عام 1990 حتى 2016، حيث شهد الإقليم العديد من حوادث الشغب وقتل الأبرياء في الشوارع وأعمال التفجير وترويع الآمنين والإرهاب وقتل السفراء ومحاولات تفجير طائرات مدنية، وكل ذلك للأسف تحت شعارات إسلامية. وكان لهذه القوى أكثر من أربعة آلاف شخص تم تدريبهم على أعمال العنف والشغب وأفكار التطرف.
وزيارة واحدة لمعرض مكافحة الإرهاب ونزع التطرف في مدينة ارومتشي، يكفي أن يشهد الزائر حجم الكوارث والعمليات الإرهابية التي قام بها هؤلاء.
وفي محاضرة له بعنوان «مكافحة الإرهاب ونزع التطرف»، أكد أستاذ العلاقات الدولية والسياسية (لي جيي) ان الإرهاب مشكلة تواجه الكثير من دول العالم، حيث إن هناك ارتفاعا بنسبة 22% في حالات الموت بسبب عمليات إرهابية عام 2023. وهناك علاقة بين التطرف الديني والإرهاب، حيث يعتبر الإرهاب أحد الوسائل التي تعتمد عليها أفكار التطرف التي تشترك بشكل عام بعدة صفات مشتركة مثل الدعوة لاستخدام العنف في توجيه المجتمع نحو الدين الذي يريده المتطرفون، واعتبر أن من لا يؤمن بمعتقداتهم كافر وعدو، كما يتم تبرير هذه العمليات بآيات دينية.
وقال إن اغلب العمليات الإرهابية التي قام بها مسلمون كانت نتيجة فكر سلفي جهادي على الرغم من أن الجهاد ليس له علاقة بالعنف، لكنهم حولوه الى مصطلح مدمر. لافتا إلى أن ما شهده إقليم «شينجيانغ» من محاولات انفصالية كانت قد تأثرت بحرف أفغانستان الأولى، حيث انتشر التطرف الديني بشكل سريع، وما عزز ذلك انتشار ما عرف بالدولة الإسلامية أو داعش خاصة عام 2014. وبالتالي تحولت تركستان الشرقية الى مصدر للإرهاب الدولي.
واستمر مسلسل الحوادث بشكل متصاعد حتى عام 2016، حيث عملت حكومة إقليم «شينجيانغ» مع الحكومة المركزية على اعتماد خطة شاملة وإجراءات صارمة لحفظ السلام ومكافحة الإرهاب الذي يمثل العدو المشترك للمجتمع الدولي، ومنع القوى الإرهابية من اعمالها وضمان حياة آمنة للسكان المحليين، وذلك وفقا للقوانين الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب.
وشملت الإجراءات برامج توعوية حتى في المناهج الدراسية حول مواجهة التطرف، كما نظمت فعاليات متعددة للسكان المحليين لتعزيز الوعي بالقوانين، وأقيمت مراكز تدريب وتأهيل متعددة في مجال مكافحة الإرهاب. وبذلت العديد من البرامج لتنمية القرى والمناطق النائية حتى لا تكون بؤرة للإرهابيين.
وكان هناك تكاتف وتعاون من جميع القوميات لمواجهة هذا التحدي، ما خلق مشهدا جديدا في جميع مناطق «شينجيانغ»، حيث عم السلام والتكاتف والتآزر والعيش كما يقال مثل حبات الرمان، وبعد الإجراءات الصارمة، لم تقع عمليات إرهابية ذات تهديد حقيقي منذ عام 2016، وشهد الإقليم تطورا اقتصاديا كبيرا، حيث حقق أعلى نسبة نمو عام 2023 بين أقاليم الصين. كما شهد ارتقاء بالخدمات العامة والمرافق وتعزيز الحريات. وكان للمرأة الإيغورية نصيب أكبر من الفرص بمواقع العمل.
«شينجيانغ».. المفتاح الذهبي لطريق الحرير والحزام
مبادرة الحزام والطريق.. أو ما يعرف بطريق الحرير الجديد، هي تلك المبادرة الطموحة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 بهدف تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط العديد من الدول، وتسهم في توسيع التعاون الاقتصادي والبنية التحتية عبر القارات من خلال الطرق البرية والبحرية الاستراتيجية. حيث يركز المشروع على تطوير مشاريع النقل والمواصلات البرية والبحرية وإنشاء شبكة من السكك الحديدية وخطوط أنابيب الطاقة والطرق السريعة، واستثمار تطبيقات التكنولوجيا الرقمية وغيرها، وذلك استنادا إلى عدة ركائز أبرزها: تنسيق السياسات بين الدول، تطوير وربط المرافق، التجارة المتبادلة بدون عوائق، التعاون المالي، تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويشير مصطلح (الحزام) إلى الطرق البرية التي تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وذلك عبر تحسين خدمات النقل واللوجستيات، وتشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة والإنترنت والبنى التحتية، الأمر الذي يعزز اتصال الصين بالقارات، وتشجيع الاستثمارات ويدعم عملية التبادل الثقافي والتعاون الاقتصادي مع الدول المشاركة.
بينما يشير (الطريق) ويدعم توسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ البحرية التي تربط الصين بالموانئ الرئيسية عبر آسيا والمحيط الهندي، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.
وإجمالا، تخلد المبادرة ذكرى ما كان يعرف تاريخيا بطريق الحرير القديم الذي كان يمثل شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى تركيا. بما في ذلك طرق ماركو بولو وابن بطوطة في الشمال وطرق الرحلات الاستكشافية البحرية لسلالة مينج الأدميرال تشنغ هي في الجنوب.
وكل ذلك يجعل مبادرة الحزام والطريق شريانا جديدا للتجارة العالمية من شأنها ان تحقق نقلة نوعية في هذا المجال.
والسؤال هنا: ما دور إقليم «شينجيانغ» في مبادرة الحزام والطريق؟
المفتاح الذهبي
يؤكد وانغ جيانشيم، مدير إدارة اللغات الأجنبية بإقليم «شينجيانغ» أنه في الوقت الذي يحمل طريق الحرير بحد ذاته رسالة الاحترام المتبادل، فإن «شينجيانغ» تمثل المفتاح الذهبي لطريق الحرير والحزام. فمن جانب يقع هذا الإقليم المهم في عمق آسيا، ومن جانب آخر تحقق «شينجيانغ» نتائج ملفتة في الانفتاح والتطور الاقتصادي، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي عام 2023 إلى 1912.591 مليار يوان، بزيادة قدرها 6.8% على أساس سنوي. وزادت القيمة المضافة للصناعات بنسبة 6.4%، وارتفعت الميزانية العامة 15.3%، كما زادت الأصول الثابتة بنسبة 12.4%. ووصل النمو الشامل لتجارة الاستيراد والتصدير إلى 45.9%، واستقبلت المنطقة 265 مليون سائح بزيادة 117%، وحققت إيرادات سياحية بلغت 296.715 مليار يوان. كما ارتفع معدل الدخل للسكان في الأرياف 5.6%، وبالتالي يلعب الإقليم دورا اقتصاديا مهما. فمثلا 90% من القطن الصيني يزرع في «شينجيانغ».
وتعمل «شينجيانغ» على بناء مجموعات صناعية مثل مجمعات الصناعات البترولية والغاز الطبيعي والكيماويات، ومجمعات صناعة الصلب والمعادن غير الحديدية، ومجمعات صناعة الطاقة الجديدة. وتشهد المنطقة انفتاحا مستمرا، حيث تقوم ببناء مناطق تجارية تجريبية وفقًا لمعايير عالية، وتعزز التعاون الاستثماري مع الدول المجاورة في آسيا الوسطى. وتستمر في جهود إنشاء المحور المركزي لقطارات الشحن بين الصين وأوروبا. وحاليا، تضم «شينجيانغ» 20 مطارا دوليا الى جانب شبكة الموانئ البرية والبحرية التي تمثل شبكة متكاملة للنقل.
منطقة التجارة الحرة
منذ القدم، تمثل مدينة كاشي في «شينجيانغ» نقطة التقاء بين الثقافات الصينية والغربية، وممرا مهما بين الصين والدول الأخرى على طول طريق الحرير. وماتزال تمثل نقطة ارتكاز مهمة للمنطقة الأساسية للحزام الاقتصادي لطريق الحرير والممر الجنوبي، حيث تتمتع بموقع فريد له اتصال مباشر مع ثماني دول عبر خمسة موانئ، وتربط قارتي أوروبا وآسيا بطريق واحد.
وفي هذه المدينة تقع منطقة التجارة الحرة التي أنشئت عام 2014 على مساحة تتجاوز 50 كيلومترا مربعا، وتعتبر واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في الصين، مما يضاعف أهمية «شينجيانغ» بشكل عام، ومدينة كاشي بشكل خاص كمنطقة جوهرية ونقطة انطلاق على طول مبادرة الحزام والطريق وصولا إلى منغوليا وتركيا وأوروبا وروسيا والشرق الأقصى وآسيا الوسطى وغرب آسيا، إلى جانب الممر البحري الذي يصل إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب وجنوب إفريقيا.
وتركز هذه المنطقة على الخدمات اللوجستية والتصنيع والتجارة الإلكترونية بشكل خاص. وقد شهدت خلال العامين الماضيين ارتفاعا ملحوظا في قيمة الجارة من الصادرات والواردات، حيث ارتفعت من 3.71 مليارات يوان عام 2021 إلى 94.5 مليارا في 2023، لتؤكد المنطقة أنها مازالت تتحمل مسؤوليتها التاريخية كنقطة التقاء دولية قادرة على الوصول الى أبعد النقاط، حيث باتت تمثل جسرًا مهمًا يربط بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وشكلت منظومة متكاملة وعاملا رئيسيا في ترسيخ أهداف «الحزام والطريق».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك